كلما حضر مسئول( أو مسئولة) سياسي غربي أو عربي القاهرة انتفض البعض لنسج أحاديث خيالية في معني المصالحة الوطنية, وكلما همس بتصريح دبلوماسي عن الوضع الراهن, بني عليه آخرون أوهاما عن وساطة سياسية بين السلطات الرسمية وجماعة الإخوان, ووجدنا كلاما عن مبادرات أذاعتها فضائيات ما أنزل الله بها من سلطان. لن أخوض في فحوي وتفاصيل ما ردده البعض عن الوساطات المختلفة, لأننا لم نضبط مسئولا أجنبيا تحدث مباشرة عن امتلاك مبادرة, أو رؤية محددة للحل, أو أجندة واضحة للخروج من الأزمة, بل علي العكس, جميع من حضروا والتقوا مسئولين عندنا أكدوا أن الشعب المصري صاحب القرار بلا شروط واملاءات عليه, وشددوا علي تسريع خطوات التحول الديمقراطي الذي تضمنته خريطة الطريق المعلنة للجميع. إذن التحريفات والمغالطات التي شاهدناها في تحليلات وقراءات البعض هناك جهات تقف وراءها, أو علي الأقل تخدم أهدافها, ولها دوافع وأسباب خفية, وأيضا تنطوي علي أغراض ودلالات سياسية, لأنها في المحصلة ترمي إلي تصوير المشهد خطأ علي أنه جري تدويله, وايحاء مغرض بأن الأزمة صراع بين كفتين متساويتين, إحداهما, السلطة الحاكمة, والتي جاءت بعد ثورة شعبية خرج فيها ملايين المواطنين وطالبوا بعزل محمد مرسي واستكمال أهداف الثورة الأولي. والأخري, جماعة الإخوان التي يؤيدها الآلاف في الشارع, من خلال اعتصامات متفرقة ومظاهرات عشوائية متعددة. كما أن تكرار العزف علي وتر الوساطة من قبل دوائر سياسية وإعلامية غير محسوبة علي الإخوان, يسعي إلي زيادة الهوة بينهم وغالبية فئات الشعب, وإحراج بعض الوزراء, لأنه يركز علي نغمات مثيرة للفتنة, مثل العفو عن مرسي, والخروج الآمن لقيادات الإخوان بلا محاكمات, الأمر الذي يشوه صورة بعض المسئولين( البرادعي مثلا) ويظهرهم كأنهم من عرابي الإخوان, في حين هم من أشد الناس طهارة واخلاصا لثورتي يناير ويونيو وأهدافهما النبيلة. لكن المفارقة أن وجودهم في السلطة تحول إلي عقبة أمام الفلول والإخوان معا. وجري الاتفاق ضمنيا علي تضخيم وتوظيف الوساطات المزعومة, ليحقق كل طرف منها مراميه الدنيئة. الشاهد أن زيارات الوفود الخارجية, قدمت خدمات جليلة للسلطات الرسمية, أهمها إنهاء أسطورة الانقلاب العسكري, وحسم التردد الغربي حيال وصف ما حدث بأنه ثورة شعبية بامتياز. وأكدت احترامنا وتقديرنا لحقوق الإنسان. وكشفت ارتفاع مغالطات خطاب الإخوان الموجه للداخل والخارج. وأفضت إلي اقتراب نزول الجماعة من علي الأشجار التي تسلقتها, بحجة أنها تتلقي دعما غير محدود من الغرب, يمدها بالحراك المادي والأوكسجين السياسي. وقادت أيضا إلي عدم استبعاد التسليم بالواقع الجديد, والشرعية التي يستمدها من ثورة الثلاثين من يونيو. ويمكن إرجاع ما نراه الآن من تشدد إخواني وممانعة حيال تنفيذ مطالبها إلي سببين. الأول, مأزق قيادة الجماعة أمام الكوادر والحلفاء والأنصار, الذين باعت لهم الوهم خلال الأيام الماضية وخدعتهم في عودة الرئيس المعزول. بالتالي لابد من مخرج مشرف, سلما أو عنفا, يحفظ لهؤلاء ماء الوجه في نظر الأهل والعشيرة, ويخفف عن كاهلهم وطأة الهزيمة السياسية. والثاني, اصرار كثير من الجهات الغربية علي فض اعتصام رابعة بالطرق السلمية, وأن يكونوا جزءا من الحل, بذريعة تخفيف حدة العنف في المستقبل. وهو ما جعل الجماعة تعتقد أنها لا تزال رقما مهما في المعادلة الغربية, وتروج قياداتها من خلال تابعيهم ومؤيديهم ومنافقيهم لحديث الوساطات والمبادرات. في حين أن عملية الإنقاذ الغربي لمرسي وأعوانه يمكن فهمها علي أنها محاولة لوضع العراقيل في طريق السلطات الرسمية, وإنهاكها في حسابات وتعقيدات جانبية قد تعطل التوجه نحو استقلال القرار الوطني, الذي أصبح من أهم نتائج عزل مرسي. من هنا, يبدو حديث الوساطات والمبادرات, حقا يراد به باطل. فكل طرف, مصري أو أجنبي, لديه حزمة من المصالح والمطامع البعيدة, يحاول الوصول إليها بكل السبل. ويتعمد تجاهل الأسس الموضوعية التي تقوم عليها المصالحة الوطنية. وهي المصارحة والمحاسبة, وعدم التهاون مع كل من ارتكب جريمة يعاقب عليها القانون. وهي القاعدة التي يقوم عليها الحوار الجاد, والروشتة الشافية لكل داء. لمزيد من مقالات محمد ابوالفضل