يمكن القول أن إنتخابات مجلس الأمة الكويتي التي أجريت يوم الأحد الماضي شكلت ملمحا مهما في المسار الديمقراطي للبلاد باتجاه تعميقه ودفعه خطوات متقدمة علي الرغم من مقاطعة البعض لها وهواجس البعض الآخر من إمكانية وجود خلل دستوري فيها قد يقود الي الحكم بحل المجلس الجديد الذي تشكل في ضوئها إما بقرار من المحكمة الدستورية أوبمرسوم أميري في حال استمرار التوتر بين المجلس والحكومة التي من المقرر أن يتم الإعلان عنها غدا تمهيدا لعقد أول جلسات البرلمان الجديد بعد غد الثلاثاء وفي ضوء نتائج هذه الانتخابات شهدت تركيبة مجلس الأمة الجديد تغييرا بنسبة54% تقريبا مع تفاوت نسبي في نسب التغيير بين الدوائر الانتخابية الخمس إذ بلغت نسبة التغيير أقصاها في الدائرة الخامسة(80%), و(60%) في الرابعة, بينما بلغت(50%) في الثالثة, و(40%) في الدائرتين الأولي والثانية; حيث عاد26 نائبا من مجلس ديسمبر2012, و9 نواب انتخبوا في مجالس سابقة قبله, فيما دخل المجلس17 نائبا للمرة الأولي. وقد حصد مرشحو القبائل25 مقعدا أي مايعادل50% من إجمالي المقاعد, توزعت كالتالي:(5) مقاعد لقبيلة العوازم, و(3) مقاعد لكل من عنزة وعتيبة والكنادرة, ومقعدان لكل من مطير وصلبة والرشايدة( الذين خسروا مقعدين مقارنة بمجلس ديسمبر الماضي, ومقعد واحد لكل من الظفير وشمر والعجمان والهواجر والعداوين والسهول. ومن بين العوامل المفسرة للعودة القوية للقبائل في البرلمان الجديد, ارتفاع نسبة المشاركة لا سيما في الدائرتين الرابعة والخامسة إلي الضعف تقريبا مقارنة بالانتخابات السابقة التي شهدت عزوفا عن التصويت في هاتين الدائرتين تحديدا بسبب مقاطعة القبائل الكبري للانتخابات; مما مكن المرشحين من أبناء الطائفة الشيعية من حصد مقاعد فيهما للمرة الأولي في تاريخهم, ولعل من السمات الواضحة لانتخابات2013 أنها شهدت تراجعا في تمثيل الشيعة في المجلس الجديد إلي8 مقاعد مقابل17 مقعدا في المجلس السابق مع ملاحظة أن هذا العدد يكاد يكون المتوسط المعتاد للتمثيل الشيعي بالمجلس والذي يتراوح عادة بين7 إلي9 نواب. ولكن في المقابل, رفع الإسلاميون السنة تمثيلهم في البرلمان الجديد إلي8 نواب مقابل5 في المجلس السابق; حيث عاد التيار الإسلامي بقوة بعد أن عزز التجمع السلفي موقعه البرلماني بالحصول علي ثلاثة مقاعد مقابل مقعدين في المجلس السابق ففاز مرشحوه الثلاثة جميعا, بالإضافة لفوز خمسة نواب إسلاميين غير منتمين لتيار أو كتلة بعينها( إسلاميون مستقلون) وأسفرت الانتخابات عن عودة لكتلة العمل الوطني بعد غياب تام عن المجلس السابق, وذلك بفوز ستة نواب أبرزهم: مرزوق الغانم, وفيصل الشايع كما أنها لم تقدم سوي مقعدين للمرأة فقط في مجلس الأمة الجديدة من أصل8 مرشحات بينما كان لها3 مقاعد في المجلس السابق ويرجع ذلك الي اعتماد انتخابات مجلس2013 علي الزخم الاجتماعي وسط غياب واضح للبرامج الانتخابية والأطروحات السياسية الإصلاحية فضلا عن العزوف النسائي عن المشاركة في الانتخابات, سواء ترشحا أو انتخابا, والتراجع المستمر في هذا الاتجاه وثمة ملاحظة جديرة بالاشارة في نتائخ انتخابات2013 تتمثل في أن أيا من المرشحين الذين تورطوا في قضايا شراء الأصوات والمال السياسي لم يحصلوا علي أي مقعد مما يؤشر إلي ارتفاع مستوي الوعي السياسي لدي الناخبين, وترسخ قناعة مجتمعية مفادها أن من يدفع المال لشراء الأصوات لن يتردد في بيع قضايا الناخبين من أجل الحصول علي المال مستقبلا. وفي هذا السياق يمكن التأكيد- الكلام للباحث المتخصص في شئون الخليج محمد بدري عيد- أن الناخبين الكويتيين قد أدوا ما عليهم من حيث خروجهم للإدلاء بأصواتهم لاختيار نواب المجلس الجديد رغم الظروف المناخية الصعبة وللمرة الأولي وهم صائمون لكن الأداء المستقبلي سيكون هو المقياس الرئيس للحكم علي النواب الجدد إذ يأمل الكويتيون من مجلسهم النيابي الجديد أن يكون ذا نفس إصلاحي وأن يرد لهم التحية بأحسن منها عبر الوفاء ب'الإنجازات الموعودة' من خلال تحسين الظروف المعيشية والخدمية لفئات الشعب المختلفة, واستئناف عجلة الإصلاح الشامل. وثمة عدة معطيات ستكون حاكمة لمستقبل المشهد السياسي في الكويت خلال الفترة المقبلة, والتي ستحدد بدورها مسار ومصير مجلس الأمة الجديد تتجسد بالدرجة الأولي في مدي استقرار العلاقة بين الحكومة والمجلس المقبلين وهو ما شدد عليه الاجتماع الاستثنائي لمجلس وزراء الحكومة المستقيلة عقب إعلان الانتخابات, مشيرا إلي أن' المرحلة الحالية تقتضي التعاون الإيجابي بين الجميع لتعويض ما فات من هدر للوقت والإمكانات, وأن تكون الجهود خلال الفترة القادمة مليئة بالإنجاز في جميع المجالات والميادين ولاشك أن مستوي هذا التعاون المأمول بين السلطتين من عدمه سيكون رهنا بأمرين رئيسيين: أولهما: طبيعة تشكيلة الحكومة الجديدة التي كلف أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح, رئيس الوزراء ذاته الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح بإعادة تشكيلها; حيث إن وجود وزراء تكنوقراط أكفاء سياسيا من شأنه أن يساعد الحكومة المقبلة علي تحقيق إنجازات ملموسة ترفع شعبيتها لدي الرأي العام الكويتي ويجنبها مخاطر تعرض وزرائها للاستجوابات من جهة, ويجعلها قادرة علي التعاطي الإيجابي مع النواب من جهة أخري. أما الأمر الآخر الذي سيحدد طبيعة التعاون الحكومي النيابي من عدمه فيتمثل في مدي المرونة السياسية التي سيتمتع بها ويبديها النواب الجدد في التعامل مع الحكومة وتقييم أدائها, وما يرتبط بذلك من الرصانة والتدرج والتمهل في تفعيل أدوات الرقابة الدستورية البرلمانية لا سيما الاستجواب.