سواء قصرت أم طالت مدة بقاء شينزو آبي كرئيس وزراء لليابان تولي السلطة قبل سبعة أشهر, فإن اسمه بصفحات التاريخ سيرتبط لا جدال حولهما, هما أنه نجح بذكاء شديد خلال زمن قياسي في فتح نوافذ بلاده الموصدة لاستنشاق نسمات ربيع الأمل, الذي خاصم اليابانيين أبان العقدين الماضين لعجز الحكومات المتتالية عن إخراج الاقتصاد من أزمة مستعصية لم يتعاف بعد من آثارها المدمرة. الحقيقة الثانية الناصعة أنه أوفي بوعوده الانتخابية, ونفذ سياساته الناجحة بدون تباطؤ بحيث يستطيع المتابع للشئون اليابانية تلمس نتائجها وانعكاساتها الايجابية علي مجمل نواحي الحياة في بلاد الشمس المشرقة, وأهمها علي الإطلاق استرداد اليابانيين جزءا لا بأس به من ثقتهم الغائبة في النفس, وفي النموذج الاقتصادي المبهر لبلادهم, خصوصا عقب إزاحة الصين لليابان من موقعها كثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم لتشغله, بينما تقهقرت طوكيو للمرتبة الثالثة حجم الاقتصاد الياباني5 تريليونات دولار . ومن الواضح أن الناخب الياباني كان مقدرا لما حققه آبي خلال الأشهر المنصرمة, عندما توجه لصناديق الاقتراع الأسبوع الماضي للتصويت في انتخابات مجلس الشيوخ أو المستشارين, وقرر أن يمنحه أغلبية مريحة بفوز الحزب الليبرالي الديمقراطي وشريكه الأصغر في الائتلاف الحكومي حزب نيو كوميتو76 من بين121 مقعدا, وبهذا يبسط الحزب الحاكم سيطرته الكاملة بلا منازع علي مجلسي البرلمان' النواب والشيوخ' وذلك للمرة الأولي منذ عام.2006 ومن ثم, فإن آبي مزود الآن بتفويض شعبي جارف لاستكمال برنامجه الاصلاحي الطموح لإنعاش الاقتصاد ولن يقبل منه بأقل من العبور به لبر الأمان, بل إن اليابانيين يحدوهم آمال عريضة في أن يقود النهوض الثالث للساموراي الياباني, فالموجة الأولي كانت في القرن التاسع عشر في عهد الإمبراطور ميجي, والثانية بدأت بعد الحرب العالمية الثانية وأوصلتها للقمة والمجد. بناء عليه لن يكون لدي آبي رفاهية خذلان مواطنيه الذين وفروا له كل ما يلزم المسئول عن اتخاذ قراراته بدون حمل عبء مناوئة ومشاغبات وإعاقات المعارضة أو تضاؤل شعبيته لدي رجل الشارع العادي, فهو يحلق عاليا ومعه حزبه في سماء السياسة اليابانية وباستطاعته, إذا اتخذ القرار الصحيح في التوقيت المناسب, أن يكسر عتبة النحس التي تطارد من سبقوه في المنصب, ففي غضون ال7 سنوات الماضية تعاقب سبعة علي رئاسة الوزراء, وكان الواحد منهم لا يمكث سوي481 يوما فقط لا غير, ثم يغادره. وبالتأكيد فإن محاور عمل آبي ستتركز بالأساس علي تجهيز وصياغة سياساته الاقتصادية والمالية التي يترقبها الكثيرون داخليا وخارجيا, لكنه سيواجه بعقبة عليه الانتباه إليها, لأنها قد تحدد فرص استمراره من عدمه, وتتعلق بالتأثيرات المحتملة لهذه السياسات علي المواطن الياباني وما يقدم له من مزايا وخدمات. فالدوائر الاقتصادية اليابانية ورجال الأعمال يتوقعون منه قرارات جريئة تتيح لها مرونة في تشغيل وفصل العمالة, وزيادة الضرائب علي شرائح مختلفة من اليابانيين, وتغيير نظام التقاعد وغيرها من الألغام المتعين عليه التعامل معها بكياسة وحزم. وما يتخوف منه البعض باليابان وبدول الجوار أن يتبع آبي سياسات يمينية, مثل التخفيف من المحاذير والقيود المفروضة علي الجيش, وتصعيد الخلاف بشأن مجموعة الجزر المتنازع علي سيادتها مع الصين, وإدخال تغيرات علي المناهج التعليمية. إن رئيس الوزراء الياباني أمامه فرصة سانحة لوضع اللبنة الأولي لمسيرة النهوض الثالث وتوحيد اليابانيين خلفها, والأسابيع المقبلة ستضعه بهذا الاختبار الصعب وعليه أن يوضح سريعا إلي اي درب سيأخذ اليابان؟.