ما أسعد الصائمين المتقين! إن لهم عند ربهم جنات النعيم, فقد استجابوا لنداء المولي عز وجل: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون. وهذا النداء يدعوهم إلي الصيام ليفوزوا بثوابه العظيم, وتربيته الرائعة, ورحمته الواسعة, وخيره الكثير, ويرشدهم إلي التقوي, وهي خير زاد, وجماع كل فضيلة, وغاية كل عباده, وهي أيضا نور لهم في الأرض, وذخر لهم في السماء, واستقامة ترفع درجاتهم, وسمو وتهذيب يجلب الأمن والسكينة والصفاء يقول المولي عز وجل: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون... وجنات النعيم تحتفل بهجرتهم إلي الله ورسوله, ساعين إلي أفضل المراتب, مؤكدين أن ايمانهم صادق, وصبرهم خالص, ومسلكهم رشيد, فإنهم بالامساك عن الطعام والشراب من الفجر إلي غروب الشمس, والامتناع عن المعاصي والشرور, والاقبال علي مكارم الأخلاق, والانطلاق إلي طاقات الرحمة والتكافل والبر, قد أصبحوا معتصمين بأكرم صور الهجرة وجهاد النفس, تنتظرهم جنة عرضها السماوات والأرض,أعدت للمتقين, ليدخلوها من باب لا يدخل منه أحد غيرهم, يقول المصطفي صلي الله عليه وسلم: إن في الجنة بابا يقال له الريان, يدخل منه الصائمون يوم القيامة, لا يدخل منه أحد غيرهم, يقال: أين الصائمون؟ فيدخلون منه,فإذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد. أما القرآن الذي نزل في شهر رمضان هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان فهو ربيع حياة الصائمين المتقين, يأخذ نصيبه كاملا في أيام وليالي رمضان, وتنال علومه اهتماما كبيرا, ففيه منهج الفلاح الذي رسمه الخالق, وهو نور مبين, يقول تعالي: قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلي النور بإذنه ويهديهم إلي صراط مستقيم. وشفاعة الصيام والقرآن لا نظير لها عندهم, يقول الرسول صلي الله عليه وسلم: الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة, يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه. ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه, فيشفعان, إن الصائمين المتقين يسيرون علي هدي القرآن, والتطبيق العملي يحدد لهم سبيل الفلاح في الصلاة والزكاة وحفظ الفروج والأمانات والعهود وغيرها, ولذلك يرثون الفردوس هم فيها خالدون. إن أيام وليالي رمضان حبيبة إلي نفوس الصائمين المتقين, وحسبها أنها تحرضهم دائما علي بث الخير, والتمسك بالانفاق والسماحة والمودة والاحسان والاخاء, وهم يعلمون أنه في كل ليلة ينادي مناد إلي انبثاق الصبح, ينادي من السماء: يا باغي الخير يمم وأبشر, وياباغي الشر أقصر وأبصر, هل من مستغفر يغفر له؟ هل من تائب يتوب الله عليه هل من داع يستجاب له؟ هل من سائل يعطي سؤاله؟ ولله عز وجل عند كل فطر من شهر رمضان كل ليلة عتقاء من النار ستون ألفا, فإذا كان يوم الفطر أعتق الله مثل ما أعتق في جميع الشهر. والصائمون المتقون يغضون أبصارهم عن المحرمات, ويحفظون فروجهم, ويصومون السمع عن الاصغاء لكل ما يحرم قوله أو يكره, ويكفون أيديهم عن ارتكاب ما يغضب الله, وينبذون الشح وقول الزور, ويشيعون الحلال, ويجتنبون الحرام, ويعشقون تكاليف الله وأوامره, ويلزمون الاخلاص, وينأون عن الغلو وتعذيب النفس, ولذلك ظفروا بالخير كله, وكرموا تكريما لم ينله سواهم.. روي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم: أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسا لم يعطهن نبي قبلي. أما الأولي فإنه إذا كان أول ليلة منه نظر الله إليهم ومن نظر إليه لم يعذبه أبدا, وأما الثانية فإن الملائكة تستغفر لهم كل يوم وليلة, وأما الثالثة فإن الله يأمر جنته ويقول لها تزيني لعبادي الصائمين يوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلي داري وكرامتي, وأما الرابعة فإن رائحة أفواهم حين يمسون تكون أطيب من ريح المسك, وأما الخامسة فإنه إذا كان آخر ليلة من رمضان فإن الله عز وجل يقبل عليهم ويغفر لهم جميعا. فسلام علي الصائمين المتقين, إن الله يباهي بهم ملائكته, لقد فازوا بالصيام والتقوي فوزا عظيما. يقول سبحانه: إن المتقين في جنات ونعيم فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون....