ما أجمل أن يشعر المسلم الصائم بأخيه الفقير, فيرق له قلبه ويجزل في العطاء راجيا الثواب من الله عز وجل, فمثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي, ومن فضل الله عز وجل علينا أن شرائع الإسلام كلها تربط المسلمين بعضهم ببعض. وتدعو إلي التكافل الاجتماعي الذي يوفر الأمن والسلام لكل البشر. فلا يوجد دين علي وجه الأرض يستطيع أن يوفر السعادة والسلام مثل دين الإسلام الذي هو دين السلام, لماذا الجود في رمضان؟ وها هو شهر الخير والبركات شهر رمضان الكريم, الذي تضاعف الحسنات فيه, وتكثر فيه الأعمال الصالحات من تلاوة القرآن, وعبادة الله وقيام الليل, والإحسان إلي الفقراء والمساكين. فشهر رمض ان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان, فيه تفتح أبواب الرحمة, وتغلق أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين ومردة الجن. وكان رسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة وكان أجود ما يكون في رمضان, ومن الجود في رمضان إفطار الصائمين وخاصة المحتاجين ليعينهم علي أداء العبادة فينال المفطر أجرا عظيما مضاعفا لشرف العبادة وشرف الزمان. رسول الله أجود الناس.. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم أجود الناس, وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن, وكان جبريل يلقاه كل ليلة فيدارسه القرآن, فرسول الله صلي الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة. فهذا الحديث يدل علي زيادة جود النبي صلي الله عليه وسلم في رمضان عن غيره من الشهور; فرسول الله صلي الله عليه وسلم هو أجود الناس, ولكن أعلي مراتب جوده كانت في رمضان. يقول الدكتور جمال المراكبي الرئيس السابق لجماعة أنصار السنة, إن شهر رمضان شهر عظيم مبارك, جعله الله موسما للخيرات, وزادا للتقوي والبركات, اختصه الله سبحانه بنزول القرآن في ليلة هي خير من ألف شهر, وافترض علينا صيامه, وسن لنا رسول الله صلي الله عليه وسلم قيامه; قال تعالي: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه, البقرة:185], لقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يحتفل برمضان, ويحتفي به, وينبه أصحابه وأمته لفضيلة هذا الشهر, وكيفية استقباله, واغتنام أيامه ولياليه, دون إفراط أو تفريط, فيقول: إن هذا الشهر قد حضركم, وفيه ليلة خير من ألف شهر, من حرمها, فقد حرم الخير كله, ولا يحرم خيرها إلا محروم صحيح سنن ابن ماجه,(1333). فرمضان شهر الخيرات والبركات, يجمع الله فيه للمؤمن ألوانا من الطاعات قلما تتيسر له في غير رمضان, فهو سوق رائجة للجنة إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ومردة الجان متفق عليه, وقد جعل الله سبحانه أبواب الجنات علي حسب ألوان الخيرات والطاعات, فجعل للصلاة بابا وللصوم بابا وللجهاد في سبيل الله بابا, فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير, فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد, ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان, ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة, فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله, ما علي من دعي من تلك الأبواب من ضرورة, فهل يدعي أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم وأرجو أن تكون منهم متفق عليه, فهل ترجو أن تكون من أهل هذه الأبواب وقد جمع الله تعالي العباد الجود بغير المال الجود لا يكون بالمال فقط بل بالعلم والخلق, فهلا واسيت أخي المسلم فقيرا في رمضان سواء بالمال أو الطعام أو الشراب أو حلو العشرة والكلمة الطيبة, وهلا قمت بإعطاء درس ديني وعمل مجلس قرآن. وكان جوده صلي الله عليه وسلم شاملا لجميع أنوع الجود, وفي مقدمة ذلك إيصال النفع للعباد بكل سبيل وطريق, من إطعام جائعهم, ووعظ جاهلهم, وقضاء حوائجهم, وتحمل أثقالهم. فلنجد بالعلم والمال والكلم الطيب والصلح بين الناس والمشي في حوائجهم, ففي الحديث: لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقي أخاك بوجه طليق, تبسمك في وجه أخيك صدقة. الإيمان يزيد بالجود.. والإيمان يزيد وينقص, يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية, فالجود يزيد الإيمان, لأنه ينطلق من تقوي الله عز وجل, قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لبلال رضي الله عنه: أنفق بلالا, ولا تخش من ذي العرش إقلالا, انظر إلي الصحابي أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه لما نزل قوله تعالي: لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم, آل عمران:92] قال: يا رسول الله! إن الله تعالي قال: لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون وإن أحب أموالي إلي بيروحاء( بستان جميل في المدينة) وإني جعلتها في سبيل الله. وهكذا أوقفها في حياته, وهذا عمر رضي الله عنه لما جاءته سهامه من خيبر جعلها في سبيل الله تعالي فحبسها في الأقارب والفقراء والمساكين, وهناك نماذج للجود في رمضان نوضحها كالآتي. يقول الدكتور محمد السعدي عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومدرس البلاغة والنقد بجامعة الأزهر: ان من فقه الأولويات في هذا الشهر الحرص علي إطعام الطعام فبإمكان الواحد أن يتحصل علي أجر صيام أكثر من رمضان في وقت واحد وذلك عن طريق إفطار الصائمين فقد جاء في الترمذي وابن ماجه: من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا. وقد كان الزهري رحمه الله إذا دخل رمضان يقول: إنما هو قراءة القرآن وإطعام الطعام وثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم أجود الناس, وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل, وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن, فلرسول الله صلي الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة. واللفظ ل البخاري, وكان الحسن البصري وابن المبارك يطعمان إخوانهما الطعام, ويقومان علي خدمتهم.