ومن الذين يحبهم الله سبحانه وتعالي من الناس العبد التقي الغني الخفي قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ان الله يحب العبد التقي الغني الخفي. والتقي هو الذي يؤمن بالغيب, ويقيم الصلاة, وينفق مما رزقه الله, ويؤمن بما أنزل إلي محمد وما أنزل من قبله, ويوقن بالآخرة, ويوفي بعهده ويتقي محارم الله, ويطيع الله ويتبع شريعته التي بعث بها خاتم رسله وسيدهم, و الغني المراد منه غني النفس, هذا هو الغني المحبوب لقوله صلي الله عليه وسلم: ولكن الغني غني النفس. قال ابن بطال: معني الحديث ليس حقيقة الغني كثرة المال لأن كثيرا ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتي فهو يجتهد في الازدياد ولا يبالي من أين يأتيه, فكأنه فقير لشدة حرصه, وانما حقيقة الغني غني النفس, وهو من استغني بما أوتي وقنع به ورضي ولم يحرص علي الازدياد ولا ألح في الطلب, فكأنه غني, وقال القرطبي: معني الحديث ان الغني النافع أو العظيم أو الممدوح هو غني النفس وبيانه أنه اذا استغنت نفسه كفت عن المطامع فعزت وعظمت وحصل لها من الحظوة والشرف والمدح اكثر من الغني الذي يناله. والحاصل أن المتصف بغني النفس يكون قانعا بما رزقه الله, لا يحرص علي الازدياد لغير حاجة ولا يلح في الطلب ولا يلح في السؤال, بل يرضي بما قسم الله له, والمتصف يفقر النفس علي الضرر منه لكونه لا يقنع بما أعطي بل هو أبدا في طلب الازدياد من أي وجه أسكنه, ثم اذا فاته المطلوب حزن وأسف, فكأنه فقير من المال لأنه لم يستغن بما أعطي, فكأنه ليس بغني, ثم غني النفس انما ينشأ عن الرضا بقضاء الله تعالي والتسليم لأمره علما بأن الذي عند الله خير وأبقي, فهو معرض عن الحرص والطلب. الخفي هو الخامل المنقطع إلي العبادة والاشتغال بأمور نفسه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: رب أشعث مدفوع بالابواب لو أقسم علي الله لابره و الاشعث الملبد الشعر المغبر غير مدهون ولا مرجل, ومدفوع بالابواب أي لا قدر له عند الناس فهم يدفعونه عن أبوابهم ويطردونه عنهم احتقارا له, لو أقسم علي الله لابره, أي لو حلف علي وقوع شيء أوقعه الله اكراما له باجابة سؤاله وصيانته من الحنث في عينه, وهذا لعظم منزلته عند الله تعالي وان كان حقيرا عند الناس, وقيل معني القسم هنا: الدعاء, وابراره: اجابته. ان الله يحب التقي الخفي الذي ان غاب لم يفتقد وان حضر لم يعرف لا يتظاهر بالخير واظهار العمل والعلم, ولا يطلب الجاه في قلوب الخلق يقنع باطلاع الخالق علي طاعته دون اطلاع الخلق, ويقنع بحمد الله وحده دون حمد الناس, يكره الشهرة ويفضل خمول الذكر.