التظاهرحق مكفول لكن الحق في الحياة وفي حرية التنقل والعيش في أمان أيضا حقوق أساسية يجب الحفاظ عليها. حقوق يشكو سكان مربع رابعة العدوية اليوم من التعدي عليها ويستغيثون مطالبين بحقهم في ممارسة حياتهم الطبيعية في بيوتهم التي زحفت عليها خيم المعتصمين. اعتصام يحدد إقامتهم ويهدد أمانهم وينشر الفوضي في منطقتهم. وهو ما دعاهم لإصدار عدة بيانات استغاثة ووقفة احتجاجية و انذارأخير للمعتصمين بفك الحصار عن المنطقة واخلاء الشوارع الجانبية والانتقال لطريق النصر. في منطقة رابعة العدوية.. ومحيطها من شارع الطيران ويوسف عباس والشوارع المجاورة, يبدو المشهد غريبا.. خيام تم نصبها في أماكن متفرقة وبشكل عشوائي أمام مداخل البيوت وأمام كثير من المحلات التي أغلقت أبوابها. ملابس نشرها أصحابها في الطريق.. البعض يقوم بالإغتسال من صنابير مياه قاموا بوضعها في الشارع بعد أن استخدموا مواسير أحد المدارس بالمنطقة..صرف خارجي وحمامات شعبية.. و احتلال لواجهات العمارات.. ومدرسة تحولت إلي مأوي للكثير من المعتصمين.. استخدمت دورات مياهها.. فصولها وأيضا حوشها لأغراض متعددة.. من ذبح ماشية لإعداد طعام إلي احتياجات معيشية مختلفة. مشاهد غريبة علي المنطقة التي قام بغزوها واحتلالها المعتصمون علي حد تعبير العديد من سكان مربع رابعة العدوية. ليتبدل حالهم منذ28 يونيو الماضي رأسا علي عقب..شهادات ويوميات وضعها الكثير منهم علي صفحاتهم علي مواقع التواصل الإجتماعي. ودشن شباب المنطقة أكثرمن صفحة لتداول استغاثات الأهالي, طرق التعامل مع المشكلات المختلفة.. أسماء الشوارع المغلقة وخطط الوصول اليومية للبيوت.. أماكن بيع السلع المتاح بها مواد غذائية وخدمات بعد أن أغلق البعض أبوابه ونفدت بضائع البعض الآخر بسبب غزوالمعتصمين. وحين ذهبنا لإستطلاع واقع حياة سكان رابعة, وجدنا السكان في حالة غضب عارمة بعد أكثرمن20 يوما من الإعتداء علي حقوقهم في الحركة والتنقل وممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي. ليتدفق سيل من الشهادات والوقائع علي ألسنة مواطنين يبدون كما لو كانوا يعيشون في عالم آخر.. معزولين عن باقي سكان القاهرة. أشرف موسي, صاحب محل اطارات سيارات في المنطقة ويسكن في أحد عقارات شارع الطيران, ويبدو من بين الأكثر استنفارا وفي حالة تأهب دائم لحماية العقار. يسأل بدقة عن كل زائرويقف مثل باقي السكان ضد محاولات المعتصمين الصعود الي الأسطح. يشرح أنهم يعيشون في حالة قلق وتوتر دائم منذ بدأوا الزحف علي منطقتنا..أغلقوا المنطقة وحاصرونا فيها.. لا ندخل أو نخرج غير من أماكن محددة.. ينصبون خيامهم حيث يريدون.. أمام المداخل..في واجهه المتاجر..داخل البنزينة.. لا يستأذنون ولا يحترمون حرمة بيوتنا. فهم كما ترون مستلقون أمام باب البيت متخففين أحيانا من ملابسهم بسبب الحر.. والمفروض أن تمر نساؤنا ذهابا وايابا عليهم. ويري أن اكرام الضيف يكون لمدة ثلاثة أيام بعدها يصبح ضيفا ثقيلا لكنهم اعتبروا أنفسهم هم أصحاب المكان وكونوا لجانا شعبية من بينهم تصر علي تفتيش السكان القادمين الي بيوتهم أكثر من مرة ومطالبتهم بابراز هوياتهم. وهوما يؤدي الي الإحتكاك والمشادات مع كثير من الأهالي. ويستكمل أشرف حديثه في الوقت الذي تتعالي فيه أصوات التكبيرات والشعارات التي يرردها المتظاهرون لتؤكد علي إسلامية الدولة وتحرض علي الجيش وقادته. ويتساءل أشرف هل التخريب وخلع بلاط الأرصفة لعمل حواجز وسرقه الكهرباء من الأعمدة و مواسير المياه.. والتعدي علي حقوق الغير هي من أخلاقيات الإسلام؟ من حقهم الإعتصام لكن ليس من حقهم الإعتداء علي حريتنا في التنقل وعلي أماننا هو ما يؤكده أحمد جمال, أحد شباب المنطقة ممن يضطر لعدم الذهاب لعمله فترات طويلة بسبب حالة الحصار التي تعيشها المنطقة خاصة مع إغلاق الكثير من الشوارع. ويشير إلي فقدان الإحساس بالأمان لدي السكان قائلا: رأينا بأعيننا بحوزتهم مسدسات خرطوش وآلي.. ونسمع طلقات الرصاص من آن لآخر. ويلتقط أشرف الحديث قائلا: ترديد التكبيرات الله اكبر أصبح إصيب البيوت بالذعر بدلا من إحساس الطمأنينة, بسبب ما يليها من مواقف, حالة تأهب واستعداد أو ضرب نار أو غيره..ويتساءل: ماذنبنا أن تتحول بيوتنا لمعسكرات حرب اذا ما قامت مناوشات بينهم وبين آخرين؟ ويستكمل حياتنا كلها اختلفت حتي رائحة الهواء في المنطقة تلوثت..وده وضع طبيعي في ظل وجود كميات من البشر تعتصم في هذا الجو الحاروسط المساكن. يقول أحمد مستنكرا قيام رجال أمام العمائر بقضاء حاجتهم أو الإغتسال في الشارع. ويضيف: حتي مدرسة عبد العزيز جاويش احتلوها واضطرت مديرتها لنقل إمتحانات الملاحق إلي مدرسة مدينة نصر النموذجية. وعلي صفحتها الخاصة علي موقع التواصل الإجتماعي الفيس بوك كتبت نجدية النجدي, أستاذة جامعية ومن سكان رابعة, تصف معاناتها. أنا من حقي استريح.. من حقي أعيش في هدوء.. من حقي اسمع التليفون لورن..من حقي اسمع حفيدي لو استغاث لإسعفه..من حقي اركز في ابحاثي..وفي قراءة القرآن..باي حق تستباح حرية الغير..باي حق يستباح حي بكمله بكل ساكنيه.. الكل يصرخ..يهدد.. ويغني ويسب...ويكبر..الساعة الرابعة صباحا وميكروفون عالي جدا يصيب بالصمم طوال الليل.... عاوزين ننام. أما مصطفي فاضطر للإنتقال بأسرته إلي منزل والدته بالتجمع الخامس بعد أن تعرض اكثر من مرة للإعتراض أثناء دخول منزله.. في أثناء عودتي لمنزلي مساء الجمعة الماضية.. ظللت لأكثر من ثلاث ساعات في الشارع في ظل صرخات طفلي الصغير وهم يرفضون السماح لنا بالمرور إلي منزلنا لأنهم كما قالو لي يقومون بالتصعيد..وحين قلت لهم اتركوني امرمر من أجل زوجتي وابني قالوا لي نحن هنا معتصمون بزوجاتنا وأطفالنا فلتبق معنا..ولم تفلح محاولاتي للمرور الا بعد ثلاث ساعات من التفاوض والبحث عن مداخل أخري.. معاناة يومية ومشكلات كثيرة دعت سكان رابعة لإصدار عدة بيانات تشرح حالة حصار التي يعيشونها. وأوضحوا أن الموجودون برابعة يستخدمون الأسلحة النارية.. ويدخلون في مناوشات مع السكان. وطالبوا الجهات المسئولة بالتدخل لحماية أرواحهم المهددة والمعرضة للخطر وإلا ستنشب بيننا وبينهم اشتباكات دامية للحفاظ علي أرواحنا وأموالنا وأعراضنا وهذا ما لا نرجوه ولكنهم يجبرونا عليه طالما نحن مكلفون بحماية أنفسنا. ومنح السكان انذار أخير للمعتصمين للجلاء عن الشوارع الداخلية وفك الحصار عن المنطقة وتنظيف الأماكن التي تحولت لفوضي جراء الإعتصام. خاصة بعد أن نشبت عدة اشتباكات في المنطقة بسبب الشروع في بناء حمامات في الشوارع امام مداخل بعض العمائر, وهو ما اصر شباب المنطقة علي رفضه. فللاعتصام شروط كما يقول د. أحمد يحيي عبد الحميد, أستاذ الإجتماع السياسي مشيرا إلي أن مقولة أن الإعتصام حق مكفول للجميع, حق يراد به باطل أحيانا. فهو حق مكفول بشرط أن يكون منظما وأن يحدد للإعتصام وقت ومكان وأهداف ولا يخرج عن إطاره السلمي.. فاذا خرج عن ذلك أصبحت فوضي, فالتخريب وقطع الطرق وتهديد المخالفين ومنع الناس من ممارسة حياتهم الطبيعية اليومية أمر يرتبط بهيبة الدولة ومكانتها, ومن يفعل ذلك يحاسب قانونا.. ويري أنه يجب علي الدولة أن تقوم بتوجيه انذار الي كل المعتصمين في الميادين لفض الإعتصامات احتراما لهيبتها ولاتاحة الفرصة للحكومة الإنتقالية لتنفيذ برامجها دون المساس بحق المتظاهرين السلميين بأن تحدد اماكن لهم لا تؤثر علي حياة الناس وتحركاتهم. ويحمل د. يحيي القيادات المحلية ورؤساء الأحياء والمحافظين بالإضافة للجهات الأمنية المسئولية عن تنفيذ ذلك مؤكدا أن الأمر مرتبط بأهداف الوزارة الجديدة والتي علي رأسها توفير الأمان وانقاذ الإقتصاد.. لذا فهي عليها تحمل المسئولية كاملة في انهاء حالة الفوضي. ويتساءل: هل تستطيع أن تحقق ذلك وتعيد هيبة الدولة أم سوف تستمر سياسة الطبطبة دون ان تتخذ اجراء ايجابي وفاعل تجاه تهديدات وحرمان المواطنين من حقهم في الحركة والتنقل وممارسة حياتهم الطبيعية. سؤال مهم خاصة بعد أن فاض الكيل بسكان منطقة رابعة العدوية وقرروا البدء في اتخاذ بعض الإجراءات من تحرير محاضر للمعتصمين وتنظيم وقفات واتخاذ اجراءات تصعيدية تطالب بفض الإعتصام الذي قام بمحاصرتهم ومنعهم الحق في ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي.