انا شاب في نهاية الثلاثينات من عمري, ومتزوج من سيدة فاضلة تشاركني ظروفي الصعبة جدا, فلقد ولدت مصابا باعاقة في الأطراف السفلية لاتمكني من السير علي قدمي واعتمد في تنقلاتي علي الكرسي المتحرك الذي اصبح أحد اجزاء جسدي بعد أن ارتبطت به منذ ولادتي وحتي الآن , ومررت في طفولتي بالعديد من المواقف الصعبة والأزمات النفسية نتيجة اعاقتي, ولكن والدي غرسا داخلي الأمل والتفاؤل بالغد, ولم يشعراني يوما بأن الاعاقة سبب في فشل الانسان ما دام يملك الارادة, ومرت الأيام واجتزت مرحلة الطفولة بحلوها ومرها ولم تمنعني اعاقتي يوما عن الغياب من المدرسة بل تفوقت علي اقراني الاصحاء جسديا, ووصلت إلي مرحلة المراهقة, واصبحت أمام مفترق طرق بعد طول تفكير واحباطات, فاحيانا اقول لنفسي انا شاب معاق وليس لي أي مستقبل مهما فعلت وتقدمت وتفوقت, لأنني قعيد وغير قادر علي الحركة ولن يستفيد بي أي شخص في أي عمل, وفي احيان أخري أقرأ السير الذاتية للكثيرين من المبدعين والمصابين باعاقات تفوق اعاقتي وقد صاروا أدباء وابطالا رياضيين,وجلست انظر تارة إلي نصف الكوب الممتليء وتارة أخري إلي النصف الفارغ, حتي اتخذت قراري بأن اتفاءل وانظر إلي نصف الكوب الممتليء وامسك بورقة وقلم واكتب احلامي وطموحاتي وهي أن اكمل دراستي وانهي تعليمي والتحق بأي عمل لاكون فردا منتجا في المجتمع وليس عالة عليه واتزوج وانجب الابناء وألا يمنعني أي شيء من تحقيق احلامي, وحصلت علي الثانوية العامة, ثم حدث ما لم احسب له أي حساب في خططي واحلامي فقد اصبت بفشل كلوي مزمن وهكذا اصبحت معاقا ومريضا بمرض عضال فتوقفت عن الدراسة وخططت لأحلامي من جديد وعادت الكوابيس تهدم احلامي وعدت لأقول لنفسي إنني سأمضي في طريقي وكأن شيئا لم يحدث وبدأت ابحث عن عمل, وبالطبع لم يكن مرغوبا في لدي الكثيرين, فأنا خارج الخدمة ثلاثة أيام في الأسبوع بسبب جلسات الغسيل الدموي التي تجري لي, وسارت بي الحياة علي هذا المنوال حتي بلغت التاسعة والعشرين من عمري, وتعرفت حينها علي فتاة معاقة في اطرافها السفلية ايضا وكانت وقتها تصغرني بتسع سنوات وقد اعجبت بها وبتفاؤلها بالحياة برغم اعاقتها, أما القاسم المشترك بيننا فهو أن كلينا ينظر إلي النصف الممتليء من الكوب وتزوجنا سريعا, فنحن بشر ومن حقنا أن نعيش ونتزوج وننجب الابناء, ومرت بنا سنوات صعبة واتفقنا منذ بدايتنا علي ألا نستدين من أحد, وكنت يوما أجد عملا وأظل اسابيع أخري بلا عمل وكانت زوجتي صابرة لأبعد الحدود, وتأخر حملها عامين وذهبنا في زيارة إلي الطبيب ليخبرني بصعوبة حملها بسبب الاعاقة الموجودة لديها بالإضافة إلي انسداد قنوات الرحم, فسلمت أمري إلي الله. ومازلت أواصل السعي في الحياة بلا كلل فادع الله أن يساعدني علي إستكمال مسيرتي في الحياة إلي النهاية. ولكاتب هذه الرسالة أقول: من حكمة الخالق عز وجل أن جعل لكل انسان طريقا يقطعه في الحياة.. وحدد له اختبارات يتعين عليه أن يجتازها لكي يفوز بعفوه ورضاه.. ولكننا نجزع ونتألم من كل ألم مهما يكن محدودا ولا نتعلم الدرس أبدا.. وهذا يحدث مع كل البشر إلا المجاهدين الذين يجاهدون أنفسهم ويصبرون علي البلاء متضرعين إلي الله تعالي القدير أن يرفعه عنهم, وهو علي كل شيء قدير. والحق يا سيدي أن الشيء الوحيد الذي يرغب المولي عز وجل أن يكون بينه وبين العبد هو الدعاء.. وقد جاء ذلك في القرآن الكريم عندما خاطب الله رسوله في آيات عديدة فقال: ويسألونك عن الأهلة قل.. ويسألونك عن الأنفال قل.. ويسألونك عن الخمر والميسر قل.. أما عن الدعاء فقال.. وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون. إذن ليس أمامنا إلا أن نلجأ إلي الله بعد أن نبذل كل ما في وسعنا.. وان ندعوه أن يخفف عنا ما نعانيه.. وأنت يا سيدي واحد من هؤلاء الذين لم يتوقفوا عند المرض ولم يلتفتوا إليه كثيرا, وسوف يثيبك الله من فضله وكرمه.. انه علي كل شيء قدير