يحلو للبعض التهكم علي الخاضعين لنظرية المؤامرة, كنظرية مضللة لتفسير الأحداث والمشاكل, ولكنني من أشد المؤمنين بالمؤامرات, علي كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية, لا نظرياتها. فالتاريخ يحفل بالمؤامرات التي تم كشفها, بينما تلك التي لم تكتشف فهي أكثر وأكثر, فالمؤامرة ليست نظرية افتراضية ولكنها موجودة, طالما كانت المصالح موجودة, ولكونها مؤامرة تبطن ما لا تظهر فهي تحتاج إلي كثير من اللعب والفن والهندسة! رفض نظرية المؤامرة, لا يعني عدم وجود مؤامرة, ولكن نظرية المؤامرة تعني إعفاء النفس من المسئولية, وإرجاع القضايا والأحداث, إلي المكائد.. الأسرار, التي تدبر في الخفاء, ويتم خلق نظريات وهمية تختلق أكاذيب وأوهاما لتعزيزها, فتصبحح نوعا من الوساوس والتخيلات العصبية, التي تخفف من وقع السقوط والفشل, والهروب من الأسباب الحقيقية, التي أدت له وتعزوها إلي أسباب أخري قاهرة, ليس بالإمكان الإفلات منها, والأغرب أنها تمكن المرضي بها بالاحتفاظ بنفس الأيديولوجيات والمواقف المهزومة, بلا تعديل أو تطوير, علي أساس أن العيب ليس بهم وبها, ولكن في المتآمرين ومؤامراتهم! نظرية المؤامرة مرض اجتماعي هروبي يركز علي حادثة أو شخص يحمله الكارثة الاجتماعية, التي تسبب فيها الجهل السياسي, والأيديولوجيات المسبقة المطلقة, فحتي تهرب من المسئولية, وفي نفس الوقت لا تتخلي عن الأيديولوجية, وتبقي الأفكار الرومانسية بخيرها, تنفض عبء البحث والتحليل ومواجهة النتائج والاعتراف بها, وتكون نظريات هروبية للمؤامرات السرية, التي تكل إليها بلا سند حقيقي أسباب الانهيار, فالنظرية الفاسدة قائمة علي مؤامرة, ربما تكون حقيقية, ولكنها ليست المشجب الذي نعلق عليه واقع الفشل الاجتماعي أو السياسي, ولكنها كافية للهروب من الاعتراف بالأسباب الحقيقية, فهناك فرق جوهري بين المؤامرة ونظريتها! الغريب أن ضحايا نظرية المؤامرة يكررون أنفسهم بترديد نفس النظريات, لا يحاولون التجديد في النظرية, التي يجب أن تتطور بإضافة أو استخدام وقائع مستحدثة لتعزيز النظرية, كنوع من الفن في ترويج الأوهام, فمثلا ادعوا أن الزعيم الخالد جمال عبد الناصر من أصل يهودي معاد للإسلام, لأنه رفض أن تقع البلاد في وهدة التخلف الحضاري, ودفعها بقوة نحو التطور والتقدم, وكان الإسلام في قلب مشروع التنمية كقوة روحية وأخلاقية تصلح بها الدنيا و الآخرة معا, وتستطيعون أن تحصروا اهتمامه بترسيخ الدعوة الإسلامية في البلاد العربية والإفريقية والآسيوية وأيضا الأوروبية! ناصر رفض أن يصبح للإسلام كهنوت ليس منه,فتم إغفال العوامل الاجتماعية والسياسية والفكرية السابقة والمعاصرة لعبد الناصر, التي اجتهدت لتضع مصر علي طريق التقدم, مع احتفاظها بهويتها الثقافية الإسلامية والعربية, وتركز فقط في أن ناصر كفرد من أصل يهودي محارب للإسلام, كما يتصوره هذا الفصيل المنافق! وهذا الاتهام الجاهز نال العديد من الرؤساء العرب بلا تجديد أو تنويع, وآخرهم الرئيس المصري الحالي عدلي محمود منصور التي أبرزت مجلة الواشنطن بوست نفس الادعاء علي أحد المواقع الإسلامية! وهذا إن دل علي شيء فلا يدل إلا علي الكسل الفكري والانتهازية الأخلاقية, التي تستدعي اتهامات تاريخية غافلة, لتفسير الواقع المعاصر, حسب الأيديولوجية الثابتة المتحجرة العاجزة عن التعامل الفعال مع مشاكل الناس وتطلعاتهم, بأن تستخدم أساطير تاريخية لها تأثيرها التاريخي الجاهز, لتفسير المؤامرات الوهمية, وصرف النظر عن العجز الفكري والعملي الحاضر الماثل أمام ذوي الألباب. من أشهر أساطير التاريخ أسطورة عبد الله بن سبأ, الذي ينسب له السبب في أصل الفتن في التاريخ الإسلامي, وأنه شخصية يهودية ادعت الإسلام, لتبث الفرقة والاضطرابات والاحتجاجات بين صفوفه, فأشعل الثورة ضد سيدنا عثمان بن عفان( رضي الله عنه) وغالي في توقير سيدنا علي بن أبي طالب, وادعي نبوته, ثم خلع عليه صفات غير بشرية, ونادي بتأليه سيدنا علي, وغير ذلك من الروايات, التي تنسب كوارث الفتنة عند المسلمين وتشتيت شملهم, إلي مؤامرة يهودية كبري, في حين أن الأسباب الحقيقية واضحة لمن يسعي إليها, ولكنها من التعدد والتشابك ما يصدم العقول الأيديولوجية, التي تخشي تلويث أوهامها بالحقائق, التي تجبرهم بالاعتراف بخطئها, والأجدي أن يصلحوا من أنفسهم, ويجتهدوا في فهم التحولات الاجتماعية, وفلسفة العصر المتغير, عن أن يلصقوا كل هذه الحروب والكوارث, بفرد متآمر, لن يستطيع مهما أوتي من دهاء, أن يحدث كل هذه الانشقاقات بل ويبقي مثلا في الذاكرة العربية, لنعت.. أصحاب العقول والعزم ممن يسعون لتقدم المسلمين, بأنهم من أتباع عبد الله بن سبأ, الذي اختلفت الروايات عن أصله وفصله, حتي يجزم عدد من الباحثين الثقاة ألا وجود له علي الإطلاق, وأنه شخصية مختلفة من الأصل! وللحديث بقية. لمزيد من مقالات وفاء محمود