أنضم وبكل قوة لكل السياسيين والناشطين والقارئين لتجارب مراحل التحول إلي الديمقراطية الذين ينادون بالأخذ بمبدأ الاستيعاب ويرفضون الأخذ بمبدأ الاقصاءفي التعامل والتفاعل السياسيين مع شباب وشابات التيارات الدينية, مع الشباب تحديدا, شرط سلمية هذا الشباب. أنضم إلي هذا التيار الهائل الذي يسعي إلي الحوار البناء ويرفض الدخول إلي مساحة السجال الهدام. أنضم إلي كل هؤلاء في مناداتهم تلك لأننا جربنا, كما جربت شعوب قبلنا, أن الاقصاء والسجال المستمرين يقودان إلي الفرقة ويوقفان البناء ويعوقان العمل والتقدم الوطنيين ويعطلان المسيرة الديمقراطية, في حين أن الاستيعاب والحوار يأخذان الشعوب إلي بر الأمان والانجاز والرقي. وعندما أنضم لكل هؤلاء السياسيين والناشطين والقارئين للتجارب الشعبية الأخري, فإنني أعني أن يكون مبدأ الاستيعاب والحوار مطروحين وممارسين علي كل المستويات, الرسمية والشعبية, الفردية والجماعية, وفي كل القطاعات وعلي طول بر مصر من شماله لجنوبه ومن شرقه إلي غربه.يكون الاستيعاب والحوار أسلوبنا كأفراد وكجماعات في حياتنا اليومية. وإذا كانت الدولة في طريقها إلي تشكيل لجنة للمصالحة الوطنية فإنني أري أن يكون مبدأالاستيعاب ومعه أسلوب الحوار في مقدمة جدول أعمالها وجزءا أصيلا من أدبياتها السياسية.بل أكثر من ذلك أن يكونا البند الأول والدائم المستمر في هذا الجدول. ولا يعني ذلك أن يوكل المجتمع مهمة استيعاب كل القوي الشبابية السياسية لهذه اللجنة الواردة في خريطة طريق العمل السياسي في مصر خلال المرحلة الانتقالية الحالية وإنما لابد أن تقوم بها كل تلك المنظمات والمؤسسات العاملة في الفضاء الاجتماعي المصري في الريف وفي الحضر. تتحمل النقابات دورا في هذا النشاط السياسي الاجتماعي بجانب الاتحادات ومنظمات المجتمع المدني. في بعض الأحوال قد يبدو مبدأ الاقصاء, بالتحديد في الممارسة السياسية, أسهل للسياسي والحاكم المتربع علي سدة الحكم. ف الاقصاء يريح الحاكم ويجنبه معاناة الحوار والجدل مع الآخرين وصولا للرأي الجماعي. فهو عادة الطريق السهل. في حين أن مبدأ الاستيعاب يحتاج للجهد اللانهائي في الجدل وطرح وتبادل الآراء والحلول. فهو دائما الطريق الصعب. ولكن في حالة البناء السياسي للشعوب يصبح الطريق الأصعب هو الطريق الأسلم لكل الأوطان لأن البناء يكون نتيجة لفعل جماعي توافقي فيتشجع الجميع علي المساهمة في العمل العام بحيث يصبح هذا العمل العام ملكا للجميع فينمونه ويحافظون عليه. لذا لم أشعر بالرضا أو الارتياح لتوجه بعض قنواتنا الفضائية, بعدما خرجت الجماهير في زحفها الجارف في العواصم وفي المراكز يوم30 يونيو وما بعده, بنبرة من التشفي في التيارات الدينية. وهو توجه غير مرغوب وأكثر من ذلك غير مقبول من تلك الغالبية الكاسحة التي صنعت هذا الزحف الجماهيري المستمر. فالتشفي يقود إلي نفور وخوف وتقوقع الآخر. إذن هو نوع من الاقصاء وشكل من أشكال السجال. وهو ما لا نسعي إليه في هذه المرحلة. نحن نؤسس الآن لمجتمع ديمقراطي توجد فيه كل التيارات بشكل علني سلمي. بحيث لا يتجه الشيوعي إلي التنظيم السري ولا يلجأ أي من التيارات الدينية التي ترفع الشريعة كمرجعية إلي التقوقع في تنظيمات مغلقة تعمل في سرية كاملة بعيدة عن النسيم الرطب للمجتمع المصري. لقد نادت الثورة منذ الخامس والعشرين من يناير, بالحرية وهو ما نتمسك به دفاعا عن حق كل التيارات والمنظمات بكل تنوعاتها للانتظام في العلن, والتعبير في العلن, وبعيدا عن السرية والتقوقع. في حالتنا المصرية يصبح مبدأ الاستيعاب وبجانبه أسلوب الحوار الحل السحري اللازم في مرحلة البناء المقبلة. خاصة إذا ما تمسكنا بهما جميعا في ممارستنا العامة والخاصة. نسعي من خلالهما لتماسك الهوية المصرية وسيادة قيمة المواطنة وإرساء قواعد الديمقراطية الصلبة التي تحمي الحريات الخاصة والعامة مادام التعبير عن هذه الحرية سلميا. في الحالة المصرية هذه, التي يعيش فيها جانب من شبابنا, تربي وكبر وتعلم بأسلوب مغلق نفسيا وفكريا,يجد نفسه اليوم حائرا بين التزام عقدي وحياتي وبين مجتمع يشجعه علي الانخراط فيه بانفتاح فكري لم يتعود عليه هذا الشباب. فهو لا يزال يستكين إلي تعامله الماضي ولم يبن بعد خيوط التواصل والثقة مع مجتمعه المفتوح أمامه. ولا شك أن هذا الشباب يرتاب في النداءات, كما أنه لا يثق فيها خاصة إذا علت أصوات الشماتة الآن وهي أصوات غير مقبولة بالرغم من أنها لا تمثل إلا الأقلية غير الفاهمة أو المقدرة لضروريات تطور مجتمعها.لا يزال هذا الشباب يرتاب ولا يثق في هذه النداءات لأنه يتذكر دائما تاريخه القريب الذي كان فيه منفيا معزولا ومهددا لا يعرف الصوت العالي وإنما استمر يتكلم في همس لسنوات خوفا من محيطه المجتمعي الواسع. وفي حالتنا المصرية تحديدا يمكن استنتاج أن هذا الشباب لم يرتبط فكريا وعضويا فحسب بتنظيمه وإنما قد يكون قد ارتبط به في ذات الوقت حياتيا. قد يكون عضوا فاعلا في التنظيم وفي الوقت ذاته عاملا أو مهنيا أجيرا في مؤسسة من مؤسسات يملكها رجال أعمال كبار أعضاء في تنظيمه هذا. فهم زملاء له في التنظيم ولكن في ذات الوقت أصحاب العمل الذي يستمد منه هذا الشباب رزقه ورزق أسرته. وقد يكون استمراره في العمل رهنا بوجوده في التنظيم. وفي أحيان كثيرة, وأتصور لا يزال إلي الآن,استمر الحصول علي بعض عقود العمل في بعض مواقع العمل في بعض البلدان العربية يتم من خلال التنظيم وعلاقاته الممتدة في هذه البلدان مقابل نسبة مئوية من راتب المتعاقد, المهني أو العامل, يتحصل عليها التنظيم في القاهرة.هنا تصبح العلاقة, بين التنظيم والعضو, مركبة لأنها تقيد العضو بأغلال اقتصادية تمس حياته وتمس حياة أسرته. لذا لابد أن يكون الدنو الاستيعابي لهذا الشباب, ذكورا وإناثا, مراعيا لكل هذه الظروف الخاصة التي عاشها ويعيشها هذا الشباب. لمزيد من مقالات أمينة شفيق