في العام الحادي عشر للهجرة وبعد ثلاثة وعشرين عام من تلقي الوحي وإبلاغ الرسالة انتقل رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي جوار ربه, مفارقا صحبه رفاقه ومن اتبع هديه من المسلمين الأوائل يواجهون أمور دنياهم ودينهم عزلا, بعد أن انقطع الوحي وغاب الحبيب الهادي, إلا من نور مسطور في قرآن كريم و سنة نبوية وأحاديث كان عليهم أن يتدارسوها ويتيقنوا منها خشية السهو أو يتم تحميل كلمات المصطفي عليه أفضل الصلاة والسلام بمعان وأهواء ليست من الإسلام في شيء. ورغم يقين صحبه أنه بشر و رسول خلت من قبله الرسل إلا أن لحظة خروج السيدة عائشة رضي الله عنها معلنة أن الرسول الكريم قد فاضت روحه كان بداية البلاء والفتنة. يقول أنس بن مالك ما رأيت يوما قط كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم المصيبة أذهبت العقول و أذهلت الألباب حتي أن الفاروق عمر وقف قول إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلي الله عليه وسلم توفي وإن رسول الله صلي الله عليه وسلم ما مات لكن ذهب إلي ربه كما ذهب موسي بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات.. ووالله ليرجعن رسول الله..وبينما الناس في هرج ومرج خرج عليهم أبو بكر الصديق ليأد الفتنة في مهدها إذ قال من كان منكم يعبد محمد فأن محمدا قد مات, ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم قرأ الآية الكريمة وما محمدا إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين144 آل عمران. بفيض من حكمة وثبات وإيمان وخبرة اكتسبها علي مدي سنوات صحبته لرسول الله واستيعابه لكلماته فيما كان يفسر ويوضح ويعدل المسار لمن هداهم الله لنعمة الإيمان, استطاع أبو بكر الصديق أن يأد أول فتنة واجهها المسلمون بعد أن فارقهم رسول الله وانقطع وحي السماء وفيض كلمات سيدنا محمد( صلاة الله عليه وسلامه) التي كانت القول الفصل عندما يستعصي الفهم أو يغيب المعني أو تتنازع النفس الأهواء.. انقطع الوحي ولم يبق أمام الصحابة إلا أن يواجهوا دنياهم باستقراء منهج القرآن والسنة واتخاذ القرار علي محمل الظن بعد أن غاب من كان لسانه لا ينطق عن الهوي.. ومنذ تلك اللحظة علي مدار التاريخ الإسلامي كان علي المسلمين أن يواجهوا بأنفسهم تحديات وفتن اومشاكل كان أولها من يخلف رسول الله في حكم المسلمين ويستكمل المسيرة ويحمل الراية.. من يدير شئون جمع دخلوا في الإسلام ربما طمعا أو خشية ولم يقر الإيمان في قلوبهم.. من يتخذ القرار السليم في مواجهة المرتدين ومدعي النبوة.. من يواجه فتنة غواية الكرسي والقوة والادعاء بأنه الأحق بالخلافة.. من يحفظ ويوثق كلمات وأحاديث وسنن رسول الله وكيف يمكن التخلص من المشكوك والمدسوس فيها.. الصراع مع يهود خيبر والفرس والروم.. سفك دماء الفاروق عمر ومن بعده عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والحسين.. مواقع وقضايا ومواقف فرضتها متغيرات ألمت بالمجتمع الإسلامي بعد أن غاب رسول الله ماديا عن المشهد وبات علي المسلمين أن يواجهوا مستجدات ويتخذوا قرارات طبقا لتفسيراتهم الظنية بعد أن غاب التفسير والمنهج واليقين الذي لم يكن لأحد أن يدعيه لنفسه بعد أن توقف الوحي وانتقل الرسول إلي رضوان ربه. ولأن لرمضاننا هذا مذاقا مختلفا ولأن الأيام التي سبقت استطلاع رؤية هلاله أعادت للذاكرة أياما من تاريخ الدعوة للدين الحنيف ومحاولات تنقيتها مما ألصقه بها أصحاب الأهواء والمطامع إما طمعا في مكاسب دنيوية أو السلطة أو بسبب سوء الفهم والتفسير المغلوط الذي أدي لإثارة الفتن والخروج عن المقاصد الحقيقة للدين وللدعوة التي حملها الحبيب المصطفي, ولأن رمضاننا هذا يعيد إلينا ذكري عزيزة علي قلوب المصريين يوم التف شعب مصر حول جيشه ليحرر الأرض والإرادة ويستعيد الكرامة في العاشر من رمضان في عام73, ولأن رمضاننا هذا وإن بلغناه وقد أزحنا عن قلوبنا وأرواحنا ما علق بها من شوائب عكرت وجه الإسلام السمح, ولأن رمضاننا هذا وإن مثل بداية للخروج من نفق مظلم لا يعلم إلا الله إلي أين كان سيؤدي بنا وأي مخاطر وإساءة كان من الممكن أن تلصق فيه بالدين الحنيف, يفرض علينا الكثير الكثير من التأمل والتفكر لضمان انفراج الأزمة والمضي علي الطريق الصحيح لتأكيد جوهر إسلامنا وإعلاء مقاصده وحماية الأرض وحق المصريين في الحياة أعزاء علي تراب هذه الأرض. لكل ما سبق اخترنا في عامنا هذا أن نعيد قراءة سير الخلفاء الراشدين والمسلمين الأوائل ونستقرئ من خلال المدونات التاريخية والمدونات الأدبية تاريخ الأزمات والفتن التي عاشوها و كيف واجهوا أمور دنياهم و شدائدها و ليس لهم من زاد سوي فهم لآيات من ذكر حكيم وأحاديث مشرفة كان عليهم أن يستنبطوا منها الحكم وأن يتخذوا القرار علي مسئوليتهم بعد أن رحل عنهم ماديا الصادق الأمين..قراءات يقدمها لنا ولك عزيزي القارئ علماء وأساتذة نسأل الله أن نجد فيها القدوة وأن تجنبنا المزالق وأن تهدينا سواء السبيل في أيام وليالي شهر, تنزل فيه القرآن هدي ورحمة للعالمين.. وكل عام ومصر وكل أهالينا وإسلامنا الحنيف وأزهرنا الشريف بألف خير..