هذا هو السؤال المحير للعالم قبل ان يكون محيرا للمصريين. ربما يكون مفيدا ابتداء أن نقارن ما حدث في30 يونيو الي3 يوليو مع ثورتي يوليو1952 ويناير.2011 جاءت حركة الضباط الأحرار في يوليو52 لتحدث تغييرات جذرية وشاملة منحتها صفة الثورة بلا منازع مثل الانحياز التام للفقراء بمجموعة إصلاحات اجتماعية عميقة وانتهاج سياسة تنمية وطنية مستقلة غير تابعة, واكتشاف البعد العربي في هوية مصر وتعميقه الي حد قيادة مصر حركة المد القومي آنذاك. مثل هذه التغيرات العميقة الشاملة التي تمت علي خلفية تغيير النظام الملكي الي جمهوري كانت كفيلة بأن تمنح الانقلاب العسكري وصف الثورة. الأمر الذي لم يتضح ويتأكد إلا بعد مرور فترة. وقد انحاز الشعب المصري الي ثورة يوليو52 رغم ان حركة الضباط الأحرار لم تعتمد في بدايتها علي أي حشد جماهيري, مثل المظاهرات او العصيان المدني مثلما حدث في30 يونيو.2013 هكذا كانت حركة الضباط الأحرار انقلابا في شكلها ثم ثورة في مضمونها. فهل يعني ذلك ان30 يونيو والأيام التالية كانت ثورة من حيث الشكل وانقلابا من حيث المضمون؟ حتي هذه اللحظة لا نعرف ما الذي سوف تسفر عنه حركة غضب30 يونيو من تغييرات. أما ما حدث في25 يناير2011 فقد كان ثورة كاملة في أسبابها وثورة ناقصة في نتائجها. كانت ثورة بفعل سببين أساسيين هما الفساد والاستبداد. كل سبب منهما كان قد أنتج مجموعة أسباب أخري كل واحدة منها كفيلة بإشعال ثورة. ثم إنها كانت المرة الاولي في تاريخ مصر الحديث التي يتظاهر فيها ملايين من المصريين في الميادين والشوارع. وفي كل الأحوال فإن استمرار حاكم فرد ظل يمسك بمقاليد السلطة لثلاثين عاما كان أشبه بحالة تلبس بالاستبداد الأمر الذي أسهم وعجل في منح ما حدث وصف الثورة بامتياز. السؤال الآن هل يمكن اعتبار ما حدث في30 يونيو والأيام التالية انقلابا ام ثورة؟ علينا الانتظار لشهور وربما لعام او عامين حتي نعرف ما اذا كان هذا( الشكل) الذي رسمته الملايين وتوج بانحياز الجيش له ضد نظام حكم منتخب من الشعب ودستور قائم وافقت عليه الأغلبية بصرف النظر عن بعض نصوصه المعيبة سيفرز في( المضمون) ثورة حقيقية أم لا؟ والي ان يتأكد لنا علي ارض الواقع ماهية التغيرات المقبلة العميقة والشاملة مثلما يقضي منطق الثورات في التاريخ كله فإن هناك خمسة محددات سيتوقف عليها ترجيح وصف الانقلاب او الثورة المحدد الأول- مدي بقاء الاحتكام الي الإرادة الشعبية قائما من خلال صناديق الاقتراع كمعيار وحيد لتنظيم عملية تداول السلطة. وماذا سيكون موقف الدستور الجديد من حق التيار الاسلامي في العمل السياسي في ظل مرجعيته الدينية؟ المحدد الثاني- ما هو موقف التيار الاسلامي ذاته من التغير الهائل والمفاجئ للمزاج السياسي والنفسي للشعب المصري ضده. هل سيلجأ لطريق العنف ام لخيار المراجعة والتصحيح علي طريقة أردو جان وجول بعد سقوط أربكان في عام1997 ؟ خيار المراجعة والتصحيح سيجعل مما حدث ثورة بحق لانه سيكون نموذجا للتغيير الجذري العميق. اما خيار العنف فسيقودنا لحرب أهلية تعزز من وصف الانقلاب لان الثورة لا تستحق اسمها الا اذا كانت معبرة عن روح الشعب كله. المحدد الثالث- ان تفرز حركة غضب30 يونيو مجموعة قيم جديدة تكمل ثورة25 يناير وتستدرك الاخفاق الذي شهدته مصر خلال العامين الماضيين. فاذا نجحت غضبة30 يونيو في تأسيس مجتمع موحد منسجم متناغم يقبل التنوع ويحترم الآخر مهما كان اختلافنا معه فانها الثورة واذا ظل مناخ التشفي والاقصاء والاحتقار للتيار الاسلامي قائما, فهو الانقلاب اذن بل هو الانحطاط الثوري دون أن ندري. المحدد الرابع- مدي قدرة حركة30 يونيو علي استكمال النتائج التي لم ترتبها بعد لأسباب معقدة ومتشابكة ثورة25 يناير. فمكافحة الفساد واسترداد ثروة مصر المنهوبة علي سبيل المثال ما زال ملفا مثيرا لعلامات الاستفهام. والتقرير الأخير لمنظمة الشفافية الدولية عن مصر يزيد الغموض غموضا. المحدد الخامس- مدي التزام الجيش بالحياد في مواجهة القوي السياسية المختلفة وقدرته علي النأي بنفسه عن لعبة التجاذبات والصراعات السياسية والحزبية. فنجاح الجيش في ذلك وتركه الحراك السياسي يأخذ مجراه في ظل دستور متوافق عليه سيكون عنصرا لترجيح وصف الثورة, أما غير ذلك فسيدعم مقولة الانقلاب. لمزيد من مقالات د. سليمان عبد المنعم