يخطيء من يعتقد أن أحداث مصر منذ30 يونيو الماضي تندرج تحت عنوان الانقلاب مع أن الداني والقاصي يعلم أنها ثورة حقيقية فوصفت وسائل الإعلام الغربية ما حدث في مصر علي أنه ثورة واندهشت الملايين التي نزلت إلي الشوارع والميادين وقالت إنها أول إرادة شعبية عرفتها البشرية! والأهم هو أن القوات المسلحة المصرية قد أخذت خطواتها العملية بعزل الرئيس من علي شفاه المواطنين في الشوارع.. ولم تستبدل الرئيس المعزول برجل عسكري يجلس في مكانه ولم تشكل حكومة من الضباط كما يحدث عادة في زمن الانقلابات.. والأهم أن القوات المسلحة أثبتت أنها قريبة من الشعب المصري كل الشعب فاستمعت إلي نداءات الناس وصرخاتهم في ميادين مصر ومحافظاتها.. وهذا يعني أن ما يقال عن حدوث انقلاب ليس إلا مغالطة من المغالطات التي تملأ الأجواء في هذه الأيام. ولو استرجعنا ما حدث لوجدنا أن القوات المسلحة أكدت أنها ليست طرفا في الصراع السياسي وأنها لا تطمح في أن تلعب دورا أساسيا بها.. ناهيك عن أنها تصر علي أن تكون كل القوي السياسية ممثلة في تعزيز مصير مصر دون إبعاد أو إقصاء أو تهميش. كما نذكر جميعا أنها حذرت مثني وثلاث ورباع من الاحتكاك برجال القوات المسلحة أو استفزاز أحد أفرادها وأكدت أن الجيش يحمي ولا يحكم.. ورغم ذلك يصر المغالطون علي التجني علي أفراد القوات المسلحة ويلصقون بها التهم وهي منها براء! صحيح أن الجيش المصري هو جيش وطني والمؤسسة العسكرية برمتها تحظي بتقدير واحترام وثقة جموع الشعب المصري.. والعجيب أن المغالطين يعرفون ذلك ويريدون زعزعة ثقة الناس في القوات المسلحة.. لكن هيهات..! لقد سارت مصر بشكل ديمقراطي.. فبعد أن أثبت النظام السياسي السابق فشله في إدارة شئون البلاد.. وبعد أن عاني الشعب المصري من الأزمات التي تأخذ الواحدة منها برقاب الأخري وبعد أن ضج الشعب بالشكوي وغلاء الأسعار.. كان لابد أن يتدخل الجيش المصري لأنه لا يصح أن يظل متفرجا, بينما يري الناس تشكو وتعاني من الأزمات التي سدت عليهم كل المنافذ. وقد اعترفت لندن بذلك فقالت علي لسان رئيس وزرائها السابق: إن تدخل الجيش أنقذ مصر من فوضي محققة, وأكد الاتحاد الأوروبي أن الديمقراطية يصنعها الديمقراطيون وتفادي استخدام كلمة انقلاب. أما أمريكا فقد تأرجحت بين هذا وذاك.. لكنها رأت في النهاية أن ما حدث في مصر أخيرا هو تصحيح ثورة25 يناير! أيا كان الأمر فقد ثبت للجميع أن مكتسبات الثورة باقية, وأن الشعب هو مصدر السلطات وأن الناس كل الناس هي التي تقرر مصيرها بنفسها! ولا شك أن الشعب المصري لم يكف عن إذهال الناس بالمبادرات التي يأخذها.. فقد أعلن أن صندوق دعم مصر سوف يستمر, وأن الملايين التي توضع فيه ليست إلا قطرة في بحر, وأن الشعب الذي أذهل العالم قديما في مشروعات مشابهة مثل مشروع القرش, ومشروع الطربوش ومشروع الحفاوة القادر علي أن يدعم هذا الصندوق من حر ماله.. وهو ما حدث..! لكن أتمني أن يضيف الشعب المصري لنفسه حسنات أخري ويكون أول شعب في التاريخ يطلب عدم قبول المنحة الأمريكية.. ليس لأنها مهينة ومحدودة لامكانياته الهادرة ولكن أيضا لأنها تأتي في معظمها للقوات المسلحة التي يريدها مصرية خالصة. لو فعل الشعب المصري ذلك.. ندخل الموسوعات العالمية كأول شعب يقول لأمريكا لا.. ناهيك عن أن الأمن القومي الأمريكي سوف يتضرر كثيرا لأن أمريكا تقدم هذه المعونات مقابل شروط تحد من القرار المصري السيادي.. بعبارة أخري, نحن ننتظر الارادة الشعبية المصرية أن تفعل ذلك.. وأزعم أن أمريكا ستضطر لأن تعيد حساباتها لأنها تعلم ربما أكثر من غيرها أننا نعيش في الشرق الأوسط عصر الشعوب وليس عصر النظم أو الحكومات.. أي أن أمريكا ستحرص منذ الآن فصاعدا علي كسب ود الشعب المصري, وهكذا تنقلب الآية.. فبدلا من أن نخاف علي أمن أمريكا وترعي مصالح إسرائيل.. نجد أن الأخيرتين بدأتا تحرصان علي هدوء الأوضاع في مصر. ولا شك أن التلويح بكل ما يغضب مصر, سوف ينتهي ويزول, والسبب في ذلك هو الشعب المصري الذي أرغم أمريكا ومن معها علي النزول علي رغبة الشعب.. والمعروف أن القاعدة الأولي في العلاقات الدولية هي أنه لا صدامات دائمة ولا عداوات دائمة. وحدها المصالح هي الدائمة.. وعندما كف شاه إيران مثلا عن القيام بدوره كحارس للمصالح الأمريكية في الشرق.. استغنت أمريكا عنه ورفضت حتي استقباله أثناء مرضه.. كذلك الحال لقد قدم النظام السابق في مصر خدمات استراتيجية كثيرة لأمريكا وإسرائيل وتحولت سيناء إلي وكر للإرهابيين, كما أطرب إسرائيل وجعلها تقترب من حلمها الخاص باقامة دولة فلسطينية في شبه جزيرة سيناء. أقول بعد أن حصلت أمريكا علي تطمينات خاصة بأمن إسرائيل.. رأت أن النظام السياسي السابق أدي دوره, وبالتالي بعد أن تعرض للاهتزاز.. قررت ألا تساعده أو تقف معه.. وهكذا هي السياسة الأمريكية في العالم.. فمادمت أنت مفيدا لها فهي معك.. أما إذا توعكت صحتك السياسية وأديت قبلها ما عليك.. فلن تقف معك بعد الآن.. وهذا هو ماحدث مع نظام الإخوان في مصر الذي أحال حياة الناس إلي جحيم!! باختصار: لقد ولي نظام الإخوان إلي غير رجعة.. ولن يفيد شراء الناس الضعفاء لزيادة الحشد.. لقد بدأت مصر صفحة جديدة من الديمقراطية, بدأت مع رئيس المحكمة الدستورية العليا ومع حكومة انتقالية( اقتصادية).. ومع جيش وطني. يحمي ولا يحكم وليست لديه أي رغبة في الحكم. فقط علينا أن نعلي مصلحة الوطن فوق المصالح الحزبية أو الشخصية, فمصر باقية وكلنا زائلون!! لمزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي