يتمتع بعذوبة الصوت,وبراعة الأداء,وإخلاصه في الدعاء, لقبه البعض بشيخ المبتهلين, والبعض الآخر بموتسارت الشرق لتعلمه وتعليمه المقامات الموسيقية واستخدامها في فن الابتهال, طار اسمه شرق العالم وغربه,قارئا للقرآن تارة ومبتهلا ومنشدا ومادحا تارة أخري, وما ذاك إلا لجمعه وقدرته الفائقة علي الأداء, تتلمذ علي يديه الكثير من مشاهير قراء ومبتهلي العالم الاسلامي في العصر الحديث, إنه الشيخ محمد الهلباوي الذي أكد في حواره مع الأهرام ان قراء القرآن الكريم والمبتهلين هم سفراء للإسلام في العالم,مشيرا الي أن فن الابتهال علم له قواعده واصوله وليس له دعوة بالسياسة,موضحا أن للأسف لاتوجد في مصر مدرسة واحدة لتعليم فن الابتهال في الوقت الذي انتشرت المدارس لتعليم هذا الفن في ربوع العالم الاسلامي,واليكم الحوار: في البداية سألناه:حدثنا عن المولد والنشأة؟ قال:مولدي كان بحي باب الشعرية بالقاهرة في يوم السبت الثامن من شهر ربيع الأول عام1365 هجرية الموافق التاسع من شهر فبراير1946 في أسرة متواضعة الحال بكثرة العيال وقلة المال, فوالدي كان تاجرا بسيطا يحمل هموم العيش لنا وقد أنجب سبعة عشر من الأولاد وأنا الثاني بين الأبناء أحمل عبءالأسرة مع أبي,ولكن كعادة الأسر في ذاك الوقت أن يلحقوا أولادهم بالكتاب ليحفظوا القرآن الكريم واللغة العربية, ففي سن الرابعة من عمري وجدت نفسي في الكتاب مع أقراني أحفظ القرآن الكريم,وبدأت الرحلة والحفظ والاستماع من المشايخ القراء والموشحين الكبار, وقد اكتشفت أن الله وهبني صوتا حسنا وكنت أحاول تقليدهم وأسعي إلي حفلاتهم لأستمع إليهم وأسعد بهم, لأن صاحب الصوت الحسن شغوف بالاستماع حتي يجيد الأداء,وعند الخامسة عشرة من عمري أتممت حفظ القرآن الكريم وقرأته علي جدي الشيخ محمد الهلباوي الذي كان يقطن بقرية ميت كنانة مركز طوخ قليوبية التي تنتمي إليها الأسرة, ثم التحقت بمعهد القراءات بالأزهر الشريف,ثم التحقت بمعهد الموسيقي لدراسة علم النغم والسولفيج, وسرعان ما عدت إلي مدرسة المشايخ وعلمت بعد ذلك أنها الأصل, واتبعت هذا النهج في حياتي وأدائي. واضاف: بدأت أبحث عند السابقين من خلال الكتب وقرأت الكثير عنهم, حتي أعددت البحوث والدروس المستفادة منهم لأنقلها إلي الطلبة من الباحثين,والحمد لله زرت معظم بلاد العالم قارئا ومنشدا ومحاضرا في هذا الفن ومحكما دوليا في المسابقات الدولية للقرآن, والحمد لله. كيف بدأت فكرة الإنشاد الديني لديك؟ومن هم شيوخك؟ وإلي من تستمع؟ بدأت فكرة الإنشاد عندي منذ بدأت السماع الجيد فمن لم يسمع لم يقل وأما عن مشايخي فهم كثيرون وأنا أميل إلي سماع القدامي أمثال الشيخ محمد رفعت والشيخ علي محمود والشيخ طه الفشني والشيخ كامل يوسف البهتيمي والشيخ منصور الشامي الدمنهوري والشيخ محمود محمد رمضان والشيخ محمد أحمد عمران وغيرهم,و أستمع إلي كل صوت جميل يؤدي بقلبه. كيف جمعت بين علمي الابتهال وتلاوة القرآن؟ وكيف نشأ علم الابتهال؟ هناك من المشايخ من جمع بين التلاوة والابتهال أمثال الشيخ علي محمود والشيخ طه الفشني والشيخ كامل يوسف البهتيمي والشيخ محمد عمران وعلي قدري صرت في ركابهم,وقدنشأ علم الابتهال منذ الأزل وتطور عبر القرون حتي وصل الينا عن طريق مشايخنا العظام. وما هي شروط المبتهل الناجح؟ أن يكون من ذوي الأصوات الحسنة حافظا للكثير من الشعر المقفي الهادف فالشعر فن جميل فيه المناجاة والنصيحة والمتون الي غير ذلك وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم حيث قال( إن من البيان لسحرا وإن من الشعر لحكمة) وقال أيضا( لقد أعجبني من شعر الجالية قول لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل) ولبيد هذا اسمه لبيد ابن ربيعة من شعراء المعلقات الذي كان تعلق أشعاره في جوف الكعبة المشرفة في الجاهلية. ماهي نصيحتك لشباب المبتهلين؟ أقول لهم:عليكم باتقان اللغة ومخارج الحروف وكثرة حفظ الأشعار وتعلم المقامات,والتنوع في الأداء,مع التخلق طبعا باخلاق الاسلام الحق. حدثنا عن فرقتك؟ هي فرقة أو بطانة تقول بمقدار ما تشهد كلمات قليلة مكتفية باللمحة الدالة والإشارة الموجزة فإن قصرت فضعف ساقه العجز إليها وإن قاربت فذلك من فضل الله عليها جابت هذه البطانة معي معظم بلاد الدنيا خلال أربعين عاما ولا نزال بحمد الله. هل لكم تلاميذ داخل وخارج مصر؟ الحمد لله لنا تلاميذ داخل مصر سواء في التلاوة أو فن الابتهال,وأيضا في الخارج لنا تلاميذ برزوا في تلاوة القرآن الكريم وفي الابتهالات في السعودية والكويت والإمارات وايران وجنوب إفريقيا(كيب تاون)وإندونيسيا وسنغافورة. وكيف ترد علي من يهاجم فن الابتهال؟ من يهاجمون هذا الفن الراقي,هم يهاجمون بلا دليل شرعي فمصرنا اليوم أصبحت بمذاهب شتي وتيارات مختلفة فمن يعترض لا نلقي بالا ولا نقيم له وزنا. أحداث الربيع العربي من وجهة نظركم هل تأثر فن الابتهال سلبا بأحداث الربيع العربي؟ أعتقد ان هذا الفن لم يتاثر سلبا بأحداث الربيع العربي بالمنطقة وذلك لأن هذا الفن فيه المخرج والمتنفس للناس من الضيق الي الفرج وسعة الصدور, ولأن الابتهال صنو الدين, ومن وجهة نظري ليس له علاقة بالسياسة,فهو فن مستقل بنفسه له قواعده وأصوله التي لها القدرة علي التكيف مع أي ظروف تطرأ علي المجتمع, خاصة أنه فن يتعلق بوجدانات وقلوب الناس. وفي رأيك ما الهدف الأساسي من الإنشاد الديني؟ وماهو برنامجك في رمضان؟ الهدف هو ترقيق القلب والارتقاء بالروح الي عالم السمو في الكون الفسيح إلي ما لا نهاية, وبرنامجي في رمضان بما يفتح الله عز وجل من خيروتوفيق. كيف كمنشد تسهم مع الدعاة في توصيل رسالة للغرب؟ دعوتنا بالكلام المغني وهذا الذي يصل الي القلوب سريعا وأخلاقنا عنواننا وما صدر من اللسان لا يعدون الآذان وما صدر من القلب لابد أن يصل الي القلب ولغة النغم يفهمها كل الخلق. وما حصيلة رحلتك مع الإنشاد الديني؟ هذه رسالة يتوارثها الأجيال ونحن نخدم هذا الفن ولا نطلب الأجر إلا من الله تعالي. وكيف تقرأ استقبال الغرب لهذا الفن؟ إن فن الإنشاد فن تلقائي مرتجل والغرب يحبون الاستماع الي التلقائيات. وما الموقف الذي تتذكره في رحلتك عبر ربع قرن من الزمان؟ المواقف كثيرة ومنها كنت في باريس بفرنسا في حفل وبعد الحفل سألتني إحدي مدرسات الكونسرفتوار( كيف تتنقل بين المقامات دون آلة مساعدة أو نوتة تذكرك فقلت لها وكيف تقبلتم أنتم هذا الإنشاد رغم أنكم لا تعرفون العربية فقالت لقد أخذتنا إلي عالم نحسه ولا ندرك مداه). هل هناك من أسرتك من اتبع طريقك في الإنشاد؟ معظم أولادي وأحفادي من ذوي الأصوات الحسنة بحمد الله. وكيف تنظر إلي مستقبل الإنشاد الديني في مصر؟وما هي المدارس التي تعجبك خارج مصر؟وهل ترون فيها خطرا علي المدارس المصرية؟ ماضيه يدل علي الأصالة- وأرجو أن يكون مستقبله باهر تحافظ عليه الأصوات الحسنة عبر القرون الآتية كما كان هناك في سوريا فرق كثيرة يعجبني بعضها ولكن للأسف ليس عندنا مدرسة واحدة لتعليم الإنشاد مع شهرتنا الهائلة. وأخيرا كيف تستعيد مصر الريادة في هذا الفن؟ مصر أم الدنيا بذلك يشهد العالم وما فقدت الريادة حتي تستعيدها, ولكن كما يقولون لكل جواد كبوة فلابد أن تتضافر الجهود لكي نعيد للإنشاد مجده القديم.