تعيش مصر اليوم لحظة فارقة في الوقت الراهن لم تشهد لها سابقة او حادثة مماثلة في تاريخها الحديث والمعاصر, بما يجعل الاستفادة من التاريخ في فهم الواقع ورسم خطط المستقبل أمرا صعبا. صحيح أن التاريخ لا يكرر نفسه, إلا أن الأحداث التي قد تعيشها الدولة في وقت ما قد تتشابه مع احداث اللحظة الراهنة فتستفيد من بعض معالجات الماضي في التعامل مع تحديات الحاضر وصولا الي طموحات المستقبل. ولذا فإن قراءة المشهد الراهن بملابساته وتعقيداته تظل عملية اجتهادية تحمل الصواب كما تحمل الخطأ دون الادعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة. ومن ثم, فإن الاطلالة علي خارطة الطريق التي تم وضعها خلال المرحلة الانتقالية الثانية دون الدخول في تفاصيل المشهد بأسبابه وتفاعلاته وتداعياته-. وتستوجب الموضوعية في الرؤية وإن كان من الصعب علي الباحث أو المحلل الالتزام بالحياد وفقا لقناعاته وتحيزاته الفكرية والايديولوجية. وعلي هذا, فالقراءة الموضوعية لهذه الخارطة تستوجب تسجيل عدة ملاحظات علي النحو التالي: أولا- اتسمت خريطة الطريق بالعمومية في النصوص والتوقيتات, وتجلي ذلك في عدم وضع ترتيب لما تضمنته من خطوات فلم تحدد علي سبيل المثال مواعيد حاسمة لتنفيذ بنودها, بل تركت ذلك أيضا للتوافقات بين أطراف المشهد. وهو ما يمكن تفسيره في ضوء أمرين: الأول, صعوبة اللحظة ومحدوديتها التي تم في ضوئها وضع هذه الخطة. الثاني, عدم مشاركة جماعة الاخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة والقوي السياسية المنضوية تحت لوائه في وضعها. ثانيا- جاءت الخطة متوافقة في بعض بنودها مع ما جاء في مبادرات سياسية مختلفة. وظلت الدعوة الي انتخابات رئاسية مبكرة هي المحك الأساسي في التباين بين الخطاب الأخير للرئيس المعزول وخريطة الطريق رغم المناشدات الجماهيرية التي طالبت بذلك بل ومناشدات بعض القوي المحسوبة علي التيار الاسلامي بأن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة هو المخرج الاوحد بعد أن وصلت الاوضاع إلي حالة الانسداد السياسي, ودون إعادة الشرح للمبررات حول اجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة كما سبق واشرت في المقال السابق. يظل القول إن عدم ادراك النظام الحاكم آنذاك للجموع الشعبية التي خرجت نتيجة ضغوط مختلفة ودوافع متباينة إلي الشارع للمطالبة بإجرائها هو السبب الوحيد في الوصول الي الوضع الذي تعيشه مصر الآن. ويضاف الي ذلك عدم ادراك رجال النظام السابق وأتباعهم لحقائق الواقع الآن وما يمكن أن يؤدي إليه من تفتيت لوحدة الوطن وتماسكه. ثالثا- في ضوء ما سبق, يصبح علي الجميع أن يدركوا الحقائق علي أرض الواقع دون تهوين أو تهويل حتي يمكن التعامل مع الأزمة وخطورتها ونتائجها وتداعياتها. فالجميع لابد أن يدرك أن المواجهة الأمنية لم تعد ممكنة لأسباب عديدة لا مكان لذكرها, وكذلك المواجهة بالانصار لا تعني سوي بدء حرب أهلية. وليظل الطريق الأوحد للخروج من هذه الازمة هو الاسراع في المسار الديمقراطي الحقيقي, دون إقصاء أو استبعاد لأي من أطراف المشهد, وهو ما دفع حزب النور بعد ادانته لمشاهد العنف والقتل التي وقعت أمام دار الحرس الجمهوري إلي المطالبة بضرورة الاسراع بوضع خطة طريق جديدة ناتجة عن توافق بين الأطراف كافة دون تهميش أو استبعاد لأحد, علي أن تسبقها الاسراع بتشكيل لجنة للمصالحة الوطنية تشارك فيها الأطراف الفاعلة والتي تحظي بالقبول المجتمعي. ملخص القول إن نجاح أية خريطة طريق لابد أن تحظي بالقبول العام والتوافق المجتمعي, طالما جاءت بنودها ومخرجاتها وخطوات تنفيذها نتاجا للتشارك والتحاور بين الجميع, أما إذا جاءت لتعبر عن توجه فصيل واحد أو طرف واحد فيصبح مصيرها علي المحك, بل ستصبح ذكري في أوراق التاريخ, بما يعني تضييع فرصة أخري للخروج بمصر إلي رحابة المشاركة والحوار والعيش المشترك. لمزيد من مقالات عماد المهدى