علي مدار الأيام الماضية عاش الشعب المصري لحظات مرتبكة ومشهدا ملتبسا , حيث تضاربت الآراء وتباينت الأفكار واختلفت التفسيرات وتنازعت الارادات بين مؤيدين ومعارضين للنظام الحاكم, ولكل منهما دوافعه وحججه ومبرراته المنطقية وغير المنطقية. ودون الدخول في الجدل المثار حول الصواب والخطأ في مواقف كل طرف, تظل ثمة ملاحظات ثلاث واجبة التسجيل علي النحو التالي: أولا- يؤكد المشهد الراهن بعبثيته ضرورة أن تتوافق الاطراف كافة علي رفض العنف واللجوء اليه كطريق لحسم الخلاف السياسي بينهم, فإذا كان من حق كل طرف أن يدافع عن وجهة نظره بالطرق السلمية والقانونية, فإن الخروج عن اطار الشرعية والسلمية واللجوء الي العنف والسلاح, كما يشاع اليوم, يعد خروجا عن ضوابط الشرع الحنيف الذي نهي في كثير من أوامره عن قتل المسلم لاخيه المسلم ولعل الحديث النبوي الشريف الذي رواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:( لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما), قاطعا وحاسما علي حرمة دم المسلم بل وحرمة دماء جميع البشر دون وجه حق. وعلي هذا, فالخطاب الذي يروجه المتشددون في طرفي المشهد السياسي اليوم خطاب مرفوض دينيا ومجتمعيا. ثانيا- ليس غريبا علي حزب النور السلفي صاحب الرؤية المستندة الي الشرع الحنيف والمنطلقة من احكامه وضوابطه, أن يظل رمانة الميزان في ساحة الحياة السياسية المصرية في كافة الأزمات التي واجهها المجتمع منذ ثورة25 يناير, فقد حرص الحزب أن يظل علي مسافة متساوية من الأطراف كافة ايمانا بأن الوسطية والاعتدال من سمة العمل الاسلامي دون تهوين أو تهويل, ودون مبالغة أو تخاذل. فالقراءة المتأنية لموقف الاطراف السياسية اليوم تكشف عن أن ثمة تشددا يغلب علي منطقها في معالجة أزمات المجتمع, وبصفة خاصة في إدارة الأزمة الراهنة. وهو ما دفعه إلي طرح مبادرات متعددة حاول فيها أن يقرأ بصورة سريعة الواقع المتغير, وهو ما تجلي في بيانه الأخير الذي حاول أن يقدم حلا مقبولا من الأطراف كافة, ففي الوقت الذي يعترف فيه باحترامه للشرعية التي جاء بها الرئيس محمد مرسي, إلا أن ضرورات اللحظة الراهنة تستوجب النظر في إعمال الموازنات الشرعية بين المصالح والمفاسد, بما يعني الدعوة الي انتخابات رئاسية مبكرة. مع الأخذ في الحسبان أن مثل هذه الدعوة تستوجب النظر الي البيان في مجمله وليس في بنوده بشكل منفصل, فإلي جانب إجراء هذه الانتخابات المبكرة, وجب الإسراع بتشكيل حكومة تكنوقراط محايدة تشرف علي الانتخابات البرلمانية المزمع اجراؤها لاستكمال بناء مؤسسات الدولة, مع تشكيل لجنة لبحث اقتراحات تعديل الدستور بعيدا عن المساس بمواد الهوية وطبقا للاجراءات المنصوص عليها في الدستور. ثالثا- من المهم التمييز بين ما يدعيه كل طرف بشأن الانتخابات الرئاسية المبكرة, فليس صحيحا أن إجراءها يعني خروجا علي الشرعية كما يري البعض. كما أنها لا تعني في الوقت ذاته الغاية المستهدفة التي خرجت من أجلها الملايين كما يري آخرون. وإنما تعني أنها خطوة في المسار الديمقراطي لاستكمال استحقاقات ثورة25 يناير, فرجوعا الي النظم السياسية نجد أن الانتخابات المبكرة هي احدي آليات الرقابة علي السلطة في النظم الرئاسية التي لا يسئل فيها الرئيس المنتخب امام البرلمان المعبر عن الارادة الشعبية كما هو الحال في النظم البرلمانية لأن الرئيس في هذا النظام ليس لديه سلطات حقيقية وإنما هو منصب شرفي. أما في النظم الرئاسية فالرئيس مسئول امام الشعب مباشرة. ومن ثم تصبح رقابة الشعب علي ادائه هي الفيصل في استمراره أو عزله واقالته دون الانتظار الي استكمال مدته القانونية. ماذا يعني ذلك؟ يعني أننا ازاء خلاف سياسي أو قانوني بين رؤيتين أو تفسيرين حول وضع جديد تواجهه مصر للمرة الاولي في حياتها السياسية, بعيدا عن استدعاء للدين أو العقيدة, فمن غير المقبول أن تتحول القضية من خلاف حول نص دستوري أو تفسير قانوني الي صراع علي العقيدة أو الشريعة التي لا مجال للخلاف بشأنها في مجتمع متدين بطبعه. ملخص القول, إن الانتخابات الرئاسية المبكرة, وإن لم تكن الغاية, فهي الآلية والوسيلة لحسم الخلاف السياسي ومنع الاحتراب الأهلي وحماية المجتمع من الوقوع في مواجهات غير مقبولة شرعا. لمزيد من مقالات عماد المهدى