إبان الحروب الصليبية(984 096 ه,6901 1921 م).. التي شاركت فيها فرنسا بجهد ملحوظ رمي الملك القديس لويس التاسع(4121 0721 م) الذي قاد إحدي حملات تلك الحروب الصليبية رمي حبال الخيانة للطائفة المارونية في الشام.. وذلك لإقامة قواعد محلية للمشروع الامبراطوري الفرنسي في الشرق الإسلامي.. وذلك عندما قال في لقائه بممثلي الموارنة:نحن مقتنعون بأن هذه الجماعة.. التي تعرف باسم القديس مارون.. هي جزء من الأمة الفرنسية!(!). وبعد هزيمة حملة بونابرت(9671 1281 م) علي مصر(3121 8971 م).. قررت فرنسا العلمانية.. إقامة مدارس الإرساليات الكاثوليكية في الشام وفي الأوساط المارونية بلبنان علي وجه الخصوص.. وذلك لتخريج جيش من المثقفين المتفانين في خدمة فرنسا.. وحتي تخضع البربرية العربية كذا للحضارة الفرنسية التي روجها الإنجيل!! وبالفعل.. خرجت هذه المدارس التغريبية التنصيرية جيشا من المثقفين الذين سعوا إلي إحلال النموذج الحضاري الغربي الوضعي العلماني اللاديني.. محل حضارة الإسلام. ولأن الشام قد كان يعيش يومئذ تحت حكم الخلافة الاسلامية العثمانية.. فلقد اتخذ كثير من قادة هذا الجيش التغريبي من مصر التي كان يحتلها الإنجليز منطلقا لهذا الغزو الفكري.. فأنشأوا فيها المؤسسات الفكرية والثقافية والإعلامية.. التي بشرت بالنموذج الغربي كبديل لنموذج حضارة الإسلام. ولقد عرف النصف الثاني للقرن التاسع عشر الميلادي وأوائل القرن العشرين من إعلان هذا الجيش التغريبي علي سبيل المثال: أمين شميل(8281 7981 م) الذي كان أول من دعا إلي إحلال اللهجات العامية محل العربية الفصحي لغة التراث الحضاري العربي الإسلامي.. والقرآن الكريم. وشبلي شميل(0681 7191 م) الذي كان أول من بشر بالداروينية بديلة لنظرية الخلق الإلهي للانسان والوجود. وفرح أنطون(4781 2291 م) الذي دعا إلي العلمانية بديلة عن فقه الشريعة الإسلامية.. وادعي أن فيلسوف الإسلام وفقيه المذهب المالكي أبو الوليد بن رشد025 595 ه6211 م 8911 م قد كان فليسرفا ماديا. 1 محمد السماك( الأقليات بين العروبة والإسلام) ص47 طبعة بيروت سنة0991 م ونقولا حداد(8781 4591 م) الذي بشر بالاشتراكية الغربية بدلا عن العدالة الاجتماعية الإسلامية التي هي أحد أركان الاجتماع الاسلامي. وعلي صفحات مجلة المقتطف..(6781 2591 م) وصحيفة المقطم(9881 2591 م) وفي حماية سلطات الاحتلال الإنجليزي لمعت الأسماء وانتشرت النظريات والأفكار والنزعات التي بشر بها يعقوب صروف(2581 7291 م).. وفارس نمر(6581 1591 م) وشاهين مكاريوس(3581 0191 م) وغيرهم من المثقفين الموارنة.. الذين صنعتهم فرنسا علي عينها في مدارس الإرساليات الكاثوليكية ليكونوا الجيش الثقافي المتفاني في خدمة الغرب الحضاري.. والذي يعمل لإحلال النموذج الغربي محل النموذج الإسلامي الذي سماه قناصل فرنساببيروت البربرية العربية. هذه النظريات والأفكار والنزعات التي أجاد وصفها إمام الوطنية والمجدد الإسلامي عبدالله النديم(1621 3131) ه,5481 6981 م) عندما قال في وصف هؤلاء الكتاب وكتاباتهم: إنهم أعداء الله وأنبيائه.. والأجراء الذين أنشأوا لهم جريدة جعلوها خزانة لترجمة كلام من لا يدينون بدين.. ممن ينسبون معجزات الأنبياء إلي الظواهر الطبيعية والتراكيب الكيماوية.. ويرجعون بالمكونات إلي المادة والطبيعة.. منكرين وجود الإله الخالق.. وقد ستروا هذه الأباطيل تحت اسم فصول علمية.. وما هي إلا معاول يهدمون بها الأديان. ومن هذه الشجرة الخبيثة التي زرعتها فرنسا في الشرق الإسلامي.. تفرعت الفروع المصرية التي تبنت نزعات العلمنة.. واللادينية.. والتغريب.. والتي دعت علي لسان الغلاة إلي الكفر بالشرق ونموذجه الحضاري الإسلامي.. والاندماج في الغرب والذوبان في فلسفته الوضعية اللا دينية.. وإلي احلال النظريات والمفاهيم الغربية محل المعالم التي بلورها الإسلام للحياة والكون والاجتماع في المعاش والمعاد. ولقد كان سلامة موسي(8881 8591 م) أول فرع مصري لهذه الشجرة التي زرعها الموارنة في حقل الثقافة والفكر والإعلام والتعليم. وإذا كان هذا التغريب ومسخ الهوية الذي نشرته فروع هذه الشجرة وأوراقها قد تمايزت فيه المواقف والألوان.. وتراوحت مواقع أعلامه ودعاتة بين: الاجتهاد الخاطيء.. الذي آب أعلامه إلي النموذج الإسلامي عندما بلغوا مرحلة النضج الفكري. 1 عبدالله النديم مجلة( الأستاذ) القاهرة العدد93 ص429,329 بتاريخ7 من ذي القعدة0131 ه مايو3981 م. النضج الفكري. والنفاق.. الذي دس أصحابه السم في العسل.. وألبسوا السيئات لباس الحسنات!. والجهل.. الذي حسب أصحابه وضحاياه أن التخلف العثماني هو الإسلام وتوهموا أكذوبة وحدة الحضارة علي النطاق العالمي وعبر التاريخ.. ومن ثم حسبوا أن تقدم الشرق لابد أن يكون بما تقدم به الغرب.. غافلين عن تميزنا الحضاري.. وعن أن آخر هذه الأمة لن يصلح إلا بما صلح به أولها الإسلام. إذا كانت ميادين التغريب قد تمايزت فيها هذه المواقع وهذه المواقف.. فإن سلامة موسي قد تميز عن جمهور المتغربين.. وربما تفرد بالصراحة التي بلغت حد الوقاحة في الدعوة إلي الكفران بالشرق وأمته ولغته وقوميته وحضارته وتاريخه وعاداته وتقاليده وأعرافه ومؤسساته وقبل كل ذلك الكفران بكل ما له أدني علاقة بدين الإسلام!. ولقد كانت لهذه الصراحة التي بلغت حد الوقاحة فضيلة الكشف عن المقاصد والمآلات الحقيقية من وراء دعوات اللحاق بالغرب والذوبان فيه. تلك المقاصد والمآلات التي حاولت اخفاءها أو تمويهها كتابات المتغربين المنافقين. لمزيد من مقالات د. محمد عمارة