رحلة ممتعة في ذاكرة حية متألقة, تفيض بالعطاء والحب, ترسم حروفها مواقف ومشاهد نادرة وربما مجهولة, في تاريخ مصر الحديثة, قبل أن يكون في حياة صاحبتها, عزيزة حسين, في كتابها حج الروح امرأة نادرة وإنسانة نبيلة, آمنت بالمرأة وقدرتها, فجعلتها قضية عمرها, تسرد في كتابها تفاصيل مدهشة عن خبايا قصور الحكم وأحداث السياسة في تشابكها مع ذكرياتها منذ نشأتها الأولي في زفتي حتي العاصمة الأمريكيةواشنطن, والمؤتمرات العالمية التي كانت من أبرز فاعليها,علي مدي50 عاما, ورفضها منصب وزيرة الشئون الاجتماعية وعلاقة زوجها بالملك فاروق والرئيس عبدالناصر, كاشفة عن خفايا جديدة ربما لم تكن معلومة عبر صفحات كتابها الذي صدر أخيرا بالإنجليزية, عن دار ساراي للنشر وستصدر ترجمته العربية بعنوان حياة بين حربين. زمن جميل لكنه عاصف ترسم ملامحه رائدة التنمية الاجتماعية ورئيس الاتحاد الدولي لتنظيم الاسرة بالأممالمتحدة سابقا عزيزة حسين. يكشف كتاب عزيزة حسين أيضا بتواضع شديد النقاب عن نشاطها المرموق في مجال العمل المدني في مصر منذ أكثر من56 عاما عندما اختارتها الحكومة المصرية كأول امرأة تحتل منصبا في لجنة الأممالمتحدة الخاصة بأوضاع المرأة, وتستعيد ذكرياتها الخاصة بفترة رئاستها لوفد مصر عام1978 في المنتدي الدولي للمرأة والسكان والتنمية وجهودها في مجال تنظيم الاسرة ومشاركتها في المؤتمرات الدولية مثل مؤتمر السكان الذي عقد في القاهرة عام1994 وانشائها أول حضانة في ريف مصر ومساهمتها في حملات التوعية بمخاطر ختان الإناث, ولم يغفل الكتاب آراءها المستنيرة في العمل العام وانتماءها السياسي للوطن ولفظها للانظمة الديكتاتورية بحكم تريبتها ونشائها الليبرالية, وتأثير والدها الدكتور سيد شكري الذي تصفه بأنه كان مناصرا للمرأة, وله آراء مهمة بالنسبة لدور المرأة في المجتمع من منطلق تأثره بقاسم أمين والشيخ محمد عبده وجمال الدين الافغاني ورفاعة الطهطاوي. في الفصل الأول للكتاب تسرد عزيزة أدق التفاصيل عن عائلتها وطفولتها السعيدة بين زفتي وميت غمر والتي كانت تشبه بودابست التي تقع علي نهر الدانوب.حيث التحقت الصغيرة بمدرسة راهبات بزفتي لتعود في المساء لفيلا ذات طراز معماري نادر أنيق علي كورنيش ميت غمر. حيث عاشت طفولتها وسط المصريين والمجتمع الأجنبي, حيث اختلط اليونانيون باليهود والانجليز والسويسريين, وتنقل لنا تفاصيل عن الحياة في ميت غمر وذكريات إعلان يوسف الجندي إستقلال جمهورية زفتي..! وتصف مستشفي زفتي الذي إنشأه والدها, سيد بك شكري, واستقباله للمشاهير مثل الموسيقار محمد عبد الوهاب وأمير الشعراء أحمد شوقي الذي كانت تربطه صلة دم بزوجها أحمد باشا حسين.. وكذلك عزيز أباظة وتشجيعه وعلي رأسهم أم كلثوم إلي أن أصبحت كوكب الشرق الفعلية ونجاة الصغيرة. وتقدم لنا عزيزة حسين عالمها المشع بالحب, وإعجابها بأسرتها وذكرياتها عن أفرادها ومنهم شقيقتها الراحلة الدكتورة ليلي شكري عالمة الاجتماع الشهيرة, وبنت شقيقها الصحفية اللامعة عزيزة سامي بالأهرام ويكلي, التي تفرغت أخيرا لتأسيس مؤسسة عزيزة حسين للتنمية البشرية. ثم تعرج علي حياتها في الداخلية بالميردي ديو, عندما انتقل والدها من ميت غمر إلي القاهرة, وذكرياتها بالكلية الأمريكية للبنات, مع صديقات عمرها جمعتها مثل إحسان عبد الغفار الكاتبة بأخبار اليوم من أولي السيدات اللاتي اقتحمن العمل الصحفي مع عزيزة ثابت وخيرية خيري إلخ... ويكتسب الفصل الرابع أهمية بالغة لأن الرائدة عزيزة حسين اطال الله عمرها تتناول بإسهاب التزامها المبكر بالمجتمع المدني وانشطتها العديدة بدءا بنادي سيدات القاهرة وانضمامها لجمعيات خيرية مثل تحسين الصحة, والمشاركة في يوم المستشفيات.كان نادي سيدات القاهرة مدرسة حقيقية للعمل المدني والتربية الديمقراطية تحت رعاية زوجة العالم النفساني الكبير الدكتور بهمان البلجيكي الأصل والجنسية. تم يتناول الفصل السادس محطة حياتها في فيلا شارع رشدان, حيث كان جيرانها عائلة عبد الغفار الأصدقاء القدامي لوالدها, وخلفها سكنت تحية كاريوكا, أيضا جاورهم الدكتور محمد عبد الوهاب وعزيز باشا المصري, وتذكر عزيزة أن بين أهم أحداث شارع رشدان زيارة الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر لزوجها أحمد باشا حسين, وكان من بين الضيوف السفير الأمريكي هنري بيرود وكرميت روزفلت بالمخابرات المركزية وحسنين هيكل الذي حكي عن هذا العشاء في حديث تليفزيوني واريك جونستون وعبد الحكيم عامر.. وأن خلافا حادا نشب خلال هذا العشاء. بين بيرود وجمال عبد الناصر.. وأنسحب عبد الناصر من العشاء!.وتقول عزيزة حسين وقفت في الشرفة اتابع الزوار من بعيد.. ولعل من أهم الأبواب الباب السابع الخاص بزواجها بأحمد حسين نجل علي باشا حسين أحد مؤسسي حزب الوفد, وتصف الكاتبة البعد التقليدي للزواج في ذلك الوقت مشيرة إلي أن أحمد باشا حسين كان يبحث عن شريكة حياة عصرية ومحافظة في آن واحد!... وتقول الكاتبة أن أحمد حسين كان شخصية لامعة, يحظي بأحترام الجميع, وإنه كان أستاذا لها في مجالات التنمية البشرية, والمشاركة المجتمعية والتعاونيات, كما قام بتشجيعها علي العمل التطوعي في الريف المصري, حيث انشأ هناك مركزا اجتماعيا للنهوض بالفلاحين, وتضيف انها انشأت أول حضانة في تاريخ الأرياف المصرية في إطار هذا المركز أصبحت بعد ذلك نموذجا لجميع قري مصر, وتستطرد أن أحمد حسين كان رائدا في مشاركة المرأة. وتواصل عزيزة حسين سرد رحلاتها حول العالم بصحبة أحمد حسين, ومؤتمراتها ومحاضراتها الدولية مشيرة إلي دعم زوجها لها علي المستوي القومي والدولي وفي برامج الإصلاح الاجتماعي. وذكرياتها عن فرح الملك فاروق ونريمان, حيث كان أحمد حسين عام1951 وزيرا في الحكومة المصرية, وعن سقوط الملك فاروق وقيام ثورة23 يوليو. وتتطرق إلي مشكلة الشرق الأوسط, وعملية السلام في المنطقة. فهي لم تهتم بالمواجع الاجتماعية لمصر فقط, بل أيضا بالأوجاع السياسية في المنطقة, لذلك تنقلنا المؤلفة في الفصل السادس عشر إلي أهم وقائع حياتها الدبلوماسية كزوجة لسفير مصر بواشنطن أحمد حسين, ووساطته لدي عبد الناصر لوقف إعدام إبراهيم باشا عبد الهادي, وأهم الأحداث التي عاشتها مصر في هذه الفترة, وعلي رأسها العدوان الثلاثي علي مصر ومناخ العلاقات المصرية الأمريكية آنذاك والأجواء الاجتماعية التي عاشتها السفارة المصرية وقتها, وتصف عزيزة حسين عودتها إلي مصر بمشاعر مختلطة, وأسف زوجها أحمد حسين لأنه لم ينجح في تحسين العلاقات الأمريكية المصرية وخيبة أمله في الرئيس الاسبق عبد الناصر. وفي فصل آخر تتحدث عزيزة حسين عن عضويتها بلجنة الأممالمتحدة وحول وضع المرأة, وعن رؤيتها حول الإسلام والمرأة. إن كتاب حج الروح لعزيزة حسين رحلة امرأة متميزة متجلدة بالصبر والوفاء للعمل الاجتماعي مشعة بالحب والعطاء..