في التاسع عشر من مارس عام1989 ووسط احتفال عالمي كبير قام السيد الرئيس محمد حسني مبارك برفع علم مصر خفاقا في سماء طابا اشارة إلي عودة آخر شبر من سيناء إلي أحضان الوطن ومنذ ذلك التاريخ تحتفل محافظة جنوبسيناء بعيدها القومي في هذا اليوم, واذا عدنا بالذاكرة للخلف نحو مايزيد علي ثلاثين عاما وتحديدا في26 مارس عام1979 نجد توقيع مصر وإسرائيل اتفاقية السلام برعاية أمريكية والتي نصت علي انسحاب اسرائيل من سيناء إلي خط الحدود الدولية. وطبقا لهذه المعاهدة فان خط الحدود الدولية المعترف به بين مصر وإسرائيل هو خط الحدود بين مصر وفلسطين وقت أن كانت تحت الانتداب البريطاني وهي نفس الحدود التي تم تعليمها عام1906. وعلي أساسها قام الجانبان المصري والاسرائيلي بوضع العلامات من رقم(1) إلي رقم(91) وظهرت عدة خلافات كان أكبرها عند العلامة(91) طابا وبعد مشاكسات ومناورات إسرائيلية اتفق علي المكان الصحيح والسليم طبقا للوثائق علي(13) نقطة لم تفرط فيها مصر بأية حبة رمل من ترابها ولم يتفق علي نقطة الخلاف الكبري في طابا وهي مسافة كيلو متر واحد لصالح ضم ارض طابا إلي إسرائيل ولإثبات اسرائيل أحقيتها في هذه المنطقة كانت قد بدأت ببناء فندق في المنطقة المتنازع عليها وهي تعلم تماما أن هذه ليست أرضها. وكان سر التمسك الإسرائيلي بطابا يرجع إلي أهميتها الاستراتيجية فهي ليست كما تدعي اسرائيل مجرد كيلو متر من الرمال فهي تمثل الركن الشمالي الغربي من خليج العقبة وبالتالي فهي مفتاح الطريق إلي الساحل الغربي لهذاالخليج وصولا إلي شرم الشيخ ورأس محمد ومضايق تيران, كما أنها تقع علي أول الطريق إلي السويس غربا كما تلتقي حول طابا أرض مصر والاردن وبالاضافة إلي مواجهتها لجزء مهم من أراضي السعودية وإلي الجنوب مباشرة من ميناء ايلات وعلي مقربة من ميناء العقبة الاردني بالاضافة إلي كونها من أهم المواقع السياحية علي البحر الاحمر وخليج العقبة بالاضافة إلي وجود قلعة صلاح الدين أحد الحصون المصرية التي استخدمت للدفاع عنها قديما وتعتبر الآن مزارا سياحيا مهما. ولجأت مصر إلي التحكيم الدولي وشكلت لجنة تحكيم دولية مكونة من خمسة قضاة من مصر وإسرائيل والسويد وفرنسا وسويسرا, وصدر الحكم لصالح مصر, والغريب انه بعد النطق بالحكم لصالح مصر في جينيف ذكر احد أعضاء الفريق الاسرائيلي أننا كنا نعرف أن طابا مصرية منذ البداية, ولكننا كنا نشك في ارادة المفاوض المصري واستمراره حتي النهاية بهذا الإصراروالعناد, ومما هو جدير بالذكر ان مصر طوال هذه القضية كانت حريصة علي أن تؤكد ان القضية ليست نزاعا إقليميا علي أرض ولكنه نزاع علي مواضع بعض علامات الحدود وهناك بالطبع فارق كبير بينهما, في حين إسرائيل كانت تحاول أن تصور الأمر علي أنه اعادة لرسم الحدود. وثمة ملاحظات علي هذه القضية: 1 ان المفاوض الاسرائيلي كان يحاول دائما ان يطيل وقت المفاوضات والمباحثات في محاولة منه الحصول علي أي مكاسب رغم قناعته بعدم أحقيته وهذه سياسة اسرائيل منذ نشأتها وحاليا تنتهج نفس السياسة في مفاوضاتها مع الفلسطينيين والتي تستغل فيها حالة الانشقاق الموجودة بين الفصائل الفلسطينية من جانب وبين اختلافات وتوجهات باقي دول المنطقة من جانب اخر والتي تسعي كل منها منفردة لتحقيق مصالحها وأهدافها وهو ما يصب مباشرة في صالح إسرائيل. 2 ان قضية طابا رسخت مفاهيم قوي الدولة الشاملة وأضافت أهمية النظر في تحديد الأوزان النسبية لعناصرها ارتباطا بطبيعة القضية فليست القوة العسكرية فقط هي التي تحقق الاهداف السياسية ولكن العمل الدبلوماسي دور مهم في مثل هذه القضايا والتي عادة مايحتاج إلي إصرار وعناد وتفهم لطبيعة الجانب الآخر. 3 ان نجاح المفاوضات المصرية يرجع أساسا إلي التنسيق والتعاون الكامل الذي تم بين المفاوضين المصريين باختلاف انتماءاهم( سياسيين/ عسكريين/ دبلوماسيين/ قانونيين) والذي كان سبب مباشر في حصول مصر علي حكم دولي لصالحها, وهكذا كانت عودة طابا تتويجا لجهد جميع الجهات المعنية وانتصار للإرادة المصرية.