عاد الرئيس فلاديمير بوتين ليستأنف صراعه غير المعلن مع نظيره الامريكي باراك اوباما دفاعا عن امن روسيا وهيبتها ومكانتها في الساحة الدولية. من هذا المنظور عاد بوتين ليعلن تحفظاته علي مقترحات اوباما حول تقليص القوات النووية مشيرا علي نحو غير مباشر الي عدم استعداده لتكرار السقوط المزري للرئيس السوفيتي السابق ميخائيل جورباتشوف في شرك احابيل الادارة الامريكية منذ حل حلف وارسو دون اي ضمانات من جانب الناتو. خلال زيارته الأخيرة لبرلين دعا الرئيس الامريكي أوباما الي التقليص المتزامن للرءوس النووية الموجودة لدي كل من الولاياتالمتحدةوروسيا بنسبة الثلث. قال ان واشنطن تعتزم وضع خطة مشتركة مع شركائها في حلف الناتو لتقليص الأسلحة النووية التكتيكية.وجدد اوباما عزم بلاده علي إجراء مفاوضات مع روسيا من أجل تصفية ترسانات الأسلحة النووية التي تراكمت منذ فترة الحرب الباردة, مؤكدا اصراره علي التوصل الي تصديق مجلس الشيوخ الامريكي علي معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية, الي جانب اقتراح عقد مؤتمر دولي بشأن ضمان أمن المواد النووية عام.2016 وكان اوباما اوجز كل هذه المقترحات خلال لقائه بوتين علي هامش قمة الثماني الكبار في لوخ ايرن بايرلندا الشمالية. ولذا فقد استبق بوتين دعوة اوباما في برلين باعلان صعوبة الموافقة عليها انطلاقا, ليس فقط من تجارب سبق واكتوي بنيرانها الاتحاد السوفيتي ثم روسيا منذ سقط الرئيس السابق ميخائيل جورباتشوف في شرك وعود الغرب مع نهاية ثمانينيات القرن الماضي. قال بوتين بضرورة الالتزام بمعاهدة ستارت-2 التي جري توقيعها في براغ في2009, مشيرا الي ان الاسلحة النووية الاستراتيجية الهجومية ليست العنصر الوحيد الذي يؤثر علي التوازن الاستراتيجي. اعاد الي الاذهان الكثير من العوامل الاخري التي تجب مراعاتها في هذا الصدد ومنها المنظومات الاستراتيجية الدفاعية المضادة للصواريخ,وكذلك خطط الامريكيين الرامية الي انشاء الدرع الصاروخية غير النووية, فضلا عن مخططات عسكرة الفضاء الكوني التي تناهضها كل من روسيا والصين, الي جانب الاسلحة التقليدية التي لا تزال الولاياتالمتحدة تملك فيها اليد الطولي.اذن موسكو تظل عند موقفها من ضرورة مناقشة هذه القضايا حزمة واحدة, وبمشاركة الدول النووية الاخري, وليس من خلال منهج انتقائي يختار الآخر بموجبه ما يروقه وما يتفق مع مخططاته.وكان سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسية اشار ايضا في حديثه الي قناة روسيا-24 الاخبارية الروسية الرسمية في مطلع هذا الاسبوع الي تعديل خطة نشر الدرع الصاروخية ونقل المرحلة الرابعة منها الي شبه جزيرة الاسكا التي كانت روسيا القيصرية باعتها الي الولاياتالمتحدة في عام1867 بسبعة ملايين ومائتي دولار. قال لافروف ان واشنطن اقدمت علي ذلك منذ بضعة اشهر واستبدلت المرحلة الرابعة في اوروبا بنشر عدد من مقاتلاتها الاعتراضية الاضافية في الاسكا الي جانب انشاء منطقة دفاعية اخري علي شواطئها الشرقية, وهذا ما قال ان روسيا عكفت علي دراسته لتتوصل الي استنتاج مفاده ان منظومة الدفاع المضادة للصواريخ تظل عالمية الاستراتيجية,وان نشر عناصرها يظل ممكنا علي طول الحدود الروسية!!.ومع ذلك قال بوتين انه اذ يعلن عن تقديره الايجابي لمقترحات اوباما وما اتسمت به من شفافية فانها لا يمكن ان تبدد ما ينتابه من قلق وهو ما يتطلب اتخاذ اجراءات جوابية تكفل الحيلولة دون انتهاك التوازن الاستراتيجي, وهو ما صارح به نظيره الامريكي. لم يكن بوتين ليستطيع ان ينسي, شأن الملايين من ابناء وطنه, ما سبق واقدم عليه جورباتشوف من تنازلات امام الغرب والناتو, بلغت حد الموافقة علي سحب قواته من المانياالشرقية وحل حلف وارسو الذي جمع تحت لوائه في عام1955 كل بلدان اوروبا الشرقية في مواجهة حلف الناتو, مقابل وعود شفاهية ودون أي ضمانات مكتوبة,حول التزام حلف شمال الاطلسي بعدم تجاوز حدوده القائمة في ذلك الحين.ولعل الكثيرين يذكرون ما قدمه جورباتشوف من تنازلات عسكرية في اطار اتفاقيات الحد من التسلح كانت في صدارة اسباب انقلاب الكثيرين من كبار قيادات القوات المسلحة عليه, بعد اطاحته بوزير الدفاع سيرجي سوكولوف وعدد كبير من اركان القيادة العسكرية السوفيتية عقب هبوط الشاب الالماني ماتيوس روست علي متن طائرته المروحية علي مقربة مباشرة من الميدان الاحمر في مايو.1987 ولذا لم يكن غريبا ان يبادر بوتين باعلان رفضه لكل موروثات سلفيه في الكرملين جورباتشوف وبوريس يلتسين, في خطابه الذي القاه في ميونيخ في مؤتمر الامن العالمي في فبراير2007 واكد فيه مناهضته انفراد قوة بعينها بالقرار الدولي, ورفضه هيمنة القطب الواحد, فيما اعلن عن خططه لتحديث تسليح قواته المسلحة وهو ما قطع فيه شوطا كبيرا بالغ الاهمية.وكان سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسية تناول هذه القضايا في حديث نشرته مجلة ميجدودنارودنايا جيزن( الحياة الدولية) قال فيه انه قبل البدء في مناقشة مواصلة تقليص الترسانة النووية, يتوجب البحث عن حلول مقبولة لملف الدرع الصاروخية, وتحقيق البلدين التقدم في مجال تنفيذ معاهدة تقليص الأسلحة الاستراتيجية الهجومية الحالية التي وقعاها عام2009, مشيرا الي انهما لم يقطعا بعد.