إنساح الغرب إلي الأمريكتين واستعمرهما ونهب ثرواتهما أو قتل عشرات الملايين واستأصل شأفة جنس بأكمله, وإلي استراليا ونيوزيلاند فاستأصل شأفة أهاليهما واستولي عليهما واستعمرهما. وهاجم إفريقيا وساق أهلها للعمل كعبيد في مستعمراته في رحلات مات فيها عشرات الملايين. وهاجم آسيا ونهب ثرواتها. وأشعل نيران حربين( عالميتين) قتل فيهما مايزيد علي100 مليون إنسان. واستخدم لأول مرة في التاريخ أسلحة الدمار الشامل ضد اليابان بعد تدميرها تماما, رغم طلبها المتكرر للاستسلام. واستعمر شعوب المنطقة العربية الإسلامية, ونهب ثرواتها ولايزال. وحارب الأديان والإيمان ونشر الإلحاد. وأنشأ مذاهب ونظما عنصرية مازالت البشرية تعانيها. ودعا إلي هدم القيم وإلي هدم الأسرة وزواج المثليين بحجة الحرية. وأنشأ نظاما رأسماليا استنزافيا ربويا استعبد البشر لمصلحة نخبه. فهل يمكن لبشر أسوياء الإقدام علي تلك الجرائم دون أن يكونوا مؤمنين بعنصرية راسخة تعطيهم كل الحقوق وتسلب غيرهم كل الحقوق؟ وتقول الرأسمالية أن العنصرية طبيعة بشرية. ولهذا تقسم الرأسمالية المجتمعات البشرية حسب الجنس واللون والثروة; لأن الأعراق والأجناس المختلفة لها احتياجات مختلفة ستظل دائما متضاربة ومتصارعة. ومحاولات استرضاء الأعراق والأجناس والأقليات في الحكومات الرأسمالية تتمخض دائما عن قوانين معاكسة للعنصرية والتمييز الجنسي ونظم محاصصة, بما يؤكد عنصرية الرأسمالية. وكل منفعة في الرأسمالية تأتي علي حساب الآخرين. ولأنها نظام يقوم بتركيز الثروة ووسائل الإنتاج, فهي بالضرورة تفرز مجتمعات نخبوية هرمية تتميز بقاعدة عريضة تمثل السواد الأعظم من الناس العاملين بأجر والمستهلكين, وقمة ضيقة مدببة ليس بها مكان إلا لنخبة محدودة العدد. وتروج الرأسمالية بسيطرتها علي وسائل الإعلام لمفاهيم ظالمة عن الفقراء, وتصفهم بالكسل والخمول. وتتجاهل أن معظم الوظائف في الرأسمالية, بسيطة ورتيبة وغير مجزية ومجال الترقي فيها مسدود, وتسبب التوترات النفسية والاكتئاب والإحباط والشعور بالتفاهة, وتروج لثقافة البحث عن وظيفة وإيجاد فرص العمل, كأنه كتب علي البشر أن يكونوا أجراء فيما يوصف بعبودية العصر. تأسست الرأسمالية الغربية منذ ظهورها علي الاستيلاء علي الأرض والموارد واستعباد الملونين بالقوة واستباحة أوطانهم وثرواتهم, علي أساس امتياز الرجل الأبيض ودناءة الملونين. وفرض المستعمرون الأوروبيون نظما سياسية واقتصادية وديموغرافية علي الشعوب الملونة تبقي عليهم فقراء وضعفاء ومتخلفين. كانت تلك الأخلاقيات المتوحشة للرأسمالية والاستعمار الأوروبي صفة لصيقة لهم. وكانت العنصرية هي الصفة الغالبة للاستعمار الأوروبي والرأسمالية الغربية حتي الآن. وأحار كثيرا في تعبيرات بعض مشاهير الرأسمالية عما يظنونه أهم علوم إدارة الحياة ونشاط الإنسان, فيتطرف لويد بلانكفين رئيس مؤسسة جولدمان ساكس المالية فيقول: أنا أقوم بعمل الله! ويتحمس آخر فيقول: لكم دينكم ولنا اقتصادنا أليست هذه هي قمة العنصرية؟ لقد أزاحت الرأسمالية الإله من عرشة وجلست مكانه, وهي تضيق بالإنسان الحر الخلوق المتسامي والمجتمع الأخلاقي المترابط; لأن الأخلاق بطبيعتها لاتقبل الحساب, وتميل إلي محاولة تنميط الإنسان وتفكيك شبكة العلاقات الاجتماعية التي يمارس من خلالها الأخلاق, وتسعي لاستبدال الأخلاق بعلاقات مادية تعاقدية باردة تلغي كل دفء وتراحم في المجتمع الإنساني, ليسهل التخطيط له والتنبؤ به والتحكم فيه, بل وتستبدل الإنسان بالآلة. ولهذا فليس من المستغرب أن يضيق الفكر الرأسمالي الليبرالي بالأسرة وبالفقراء وبالمرضي وبالعالم النامي, ويفرز باستمرار أفكار الإبادة والتطهير العرقي. والإعلان العالمي لحقوق الإنسان يحاول تفكيك المجتمعات الإنسانية التراحمية التقليدية, فيتجاوز الدول والمجتمعات وأسس اللحمات الإنسانية علي اختلافها, بما فيها الأسرة والمجتمع, ويخاطب الناس كأفراد لهم حقوق تجاه الجميع دون ذكر لأي واجبات. أي يعامل المجتمعات البشرية كتجمع لأفراد لهم حقوق تحميها مؤسسات دولية تريد تجاوز الأسرة والمجتمع والقبيلة والإدارة المحلية الحاكمة وتدعي أنها أحرص علي الضعفاء من أهلهم وذويهم. والحقوق تطلب بطبيعتها, والواجبات تؤدي بطبيعتها, فالإعلان يستهدف تفكيك المجتمعات التراحمية المترابطة بالواجبات وإعادة تركيبها( إن جاز التعبير هنا) بصورة متشظية متصارعة, تأخذ دون ذكر لعطاء, وتطلب دون إعطاء. والحرية الجنسية نوع آخر من العنصرية الرأسمالية! هي في حقيقتها حرية للرجال فقط. بعدها يترك الرجل المرأة بعد نوال بغيته منها, بأثقال ومسئوليات لاتستطيع فطريا الفكاك منها ويذهب حرا.ومعظم الأسر الغربية المفككة تتكون من أم وطفلها أو أطفالها. كما راجت في الغرب صناعات كثيرة علي حساب النساء, كالبغاء والأزياء والتجميل وشد البشرة والتخسيس, كل روادها رجال يفرضون شذوذهم علي النساء اللواتي فقدن سياجات حمايتهن, ويجعلونهن يتمحورن حول الرجال وحول مرحلة عمرية محدودة من حياتهن, ويقعن فريسة الرأسمالية الاستنزافية طوال شبابهن ثم يعاملن كنفايات لايأبه بمعاناتهن أحد بعد ذلك, وتتزايد أعداد النساء الغربيات اللاتي يتناولن أدوية الاكتئاب ويقتلن أنفسهن. وسوف نحمي أمهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا بكل جهدنا من أن تقذف بهن ادعاءات الرأسمالية العنصرية في عالم قاس بلا دفاع وحماية. لمزيد من مقالات د. صلاح عبد الكريم