أيام قليلة تفصلنا عن الثلاثين من يونيو, ورغم ذلك لا يبدو أن أيا من الأطراف المتصارعة حاليا علي السلطة, يدرك عواقب وتبعات ما يفعله أو ما لا يفعله علي مصر في المستقبل القريب. فأنظار السلطة والمعارضة تتعلق بهذا اليوم كأنه نهاية العالم, وليس منعطفا أو بداية لمرحلة يجب أن تكون جديدة, أيا كانت مآلات ذلك اليوم. المعارضة المصرية الداعية إلي تظاهرات30 يونيو, أدركت متأخرة أن ثمة استعدادات وتصورات ضرورية لما بعد هذا اليوم التاريخي. فانهمكت في الأيام الأخيرة في لقاءات ونقاشات بعضها علني وبعضها غير ذلك, للاتفاق حول الخطوات التالية في مجال الحكم وإدارة الدولة. ورغم أن تلك المحاولات مجرد اتفاق لم يتم علي طبيعة وتفاصيل التصور المقترح لما بعد30 يونيو, إذ لا يزال الأمر متأرجحا بين عدة تصورات وخيارات. من بينها تشكيل مجلس رئاسي مدني, أو تكليف رئيس المحكمة الدستورية بمهام الرئاسة, أو استدعاء القوات المسلحة مجددا لتولي الحكم بشكل مباشر. وأحيانا يحاول البعض المزج بين تلك الخيارات بأن توكل قيادة المجلس الرئاسي إلي رئيس المحكمة الدستورية, وأن تمثل القوات المسلحة بعضو في ذلك المجلس المفترض أنه مدني. عدم وضوح أي من تلك الخيارات أو غيرها ستختار المعارضة حال نجاح خطتها في الإطاحة بالرئيس مع نهاية شهر يونيو, يعكس استمرار الخلل والانقسام الذي يظهر بين صفوف المعارضة مع كل استحقاق سياسي أو موعد انتخابي. حيث ينشب الخلاف حول توزيع غنائم النصر قبل بدء المعركة. ولا تقتصر الخطورة في ذلك الخلل علي ما يحدث من تنازع مسبق للمكاسب علي حساب التنسيق المفترض بين القوي المتحالفة معا ضد السلطة. فالمعارضة السياسية لن تخوض موقعة30 يونيو وحدها, وإنما بالتنسيق والتحالف والاستقواء بنظام مبارك من رموز وكوادر الحزب الوطني خصوصا في المحافظات, بما يعنيه ذلك من استخدام واستعانة بأدوات ذلك النظام ورجاله بوسائلهم وأساليبهم المعروفة والمعهودة. والخطورة هنا لا تقف عند مجريات ذلك اليوم, وإنما الأخطر هو ما بعد الثلاثين من يونيو. فتلك القوة المعاونة لا بد أن تحصل علي مكان ومكانة نظير ما ستقدمه من عون وجهد في إسقاط حكم مرسي والإخوان. وبقدر العون سيكون المقابل, ما يعني عودة فعلية لنظام ورموز ورجال وأساليب عهد مبارك حسب نطاق وطبيعة احتياج المعارضة لهم, وهو في الواقع احتياج واسع النطاق ومتعدد الأشكال. الكارثة الحقيقية أن المشهد المصري بعد30 يونيو حال نجاح مخطط المعارضة لن يقتصر علي رجال مبارك والمستقوين بهم من المعارضة, فالإسلاميون مستنفرون للذود عن ممثلهم في الحكم, خاصة أن فقدان السلطة في هذا التوقيت وبهذه الطريقة يعني بالضرورة عودة إقصاء وحظر الإسلاميين مجددا, فضلا بالطبع عن عودتهم هم شخصيا إلي السجون. وبالتالي فإن تهديدات الإسلاميين بعدم السماح بإسقاط الرئيس مرسي ليست بالمرة علي سبيل التهويش. الأمر الذي يجب أن تضعه المعارضة المصرية نصب أعينها وهي بصدد المضي قدما في هذا الاتجاه. في المقابل, استمرار حكم الإخوان والإسلاميين بعد الثلاثين من يونيو لا يعني أن مصر قد دانت لهم أو أن أيديهم أصبحت مطلقة في السلطة, فستظل بعض الأجنحة داخل مؤسسات الدولة غير موالية إن لم تكن معادية, كما ستستمر الحرب الشعواء من جانب رجال نظام مبارك في القضاء والإعلام والأمن والاقتصاد والبيروقراطية. ربما تنكسر الموجة مؤقتا أو تحدث هدنة بسبب عدد الضحايا المتوقع والدماء التي ستسفك في الشوارع. لكن الحرب لن تنتهي لأن نجاة حكم مرسي والإخوان من مخطط30 يونيو سيفتح الباب أمام اندثار المعارضة النخبوية وانهيار مصداقيتها, فضلا عن الخطر المصيري الذي سيتهدد في هذه الحالة منتفعي نظام مبارك. وبالتالي فعلي الرئاسة والسلطة الإسلامية الاستعداد لاستئناف حرب الاستنزاف بعد الثلاثين من يونيو بوقت ليس ببعيد. يبقي التحدي الأكبر الذي يواجه سواء السلطة أو المعارضة في اليوم التالي مباشرة. فمع إطلالة صباح الأول من يوليو سينتظر المصريون ممن سيشغل كرسي الحكم, أيا كان, الوفاء بكل وعوده. واستيفاء كل متطلباتهم وتطلعاتهم, وتنفيذ أهداف الثورة التي لم يتحقق معظمها ويتشدق الجميع بها ويتخفون وراءها. لعل العام الذي مضي علي رئاسة محمد مرسي في الحكم يكفي لاستيعاب دروس كثيرة عليه الاتعاظ منها عندما يطلع عليه شهر يوليو وهو في مقعد الرئاسة. ولعل الثغرات والعورات التي تكشفت في جسد المعارضة, تجعلها أكثر مصداقية وموضوعية مع الشعب وفيما بين تكويناتها, خصوصا إذا انفتح أمامها باب المنافسة علي السلطة مجددا, سواء بانتخابات رئاسية مبكرة أو برلمانية وهو الأكثر منطقية إذ هي أصلا متأخرة. بقدر التعويل علي الثلاثين من يونيو وتشبث طرف به ومحاولة الآخر تجاوزه, فإن اليوم بل الأيام التالية هي الأهم. ففي الأول من يوليو ستصحو مصر علي مشهد مختلف وربما مؤلم. وعلي الجميع الاستعداد لذلك اليوم التالي وما بعده. لمزيد من مقالات سامح راشد