تعالت الأصوات مؤخرا تطالب بإلغاء أو تقليص صلاحيات المحكمة الدستورية في ظل اشتعال الصراع السياسي وبعد الأحكام التي أصدرتها بشأن دعاوي حل وبطلان التأسيسية ومجلس الشوري وتصويت العسكريين في الانتخابات, ودعت الأصوات إلي انشاء مجلس دستوري يحل محل المحكمة الدستورية ويتكون من رجال قانون استشاريين ومحامين, والسؤال المطروح: هل يجوز حل الدستورية أو تقليص صلاحياتها؟ بداية يري المستشار أحمد الخطيب رئيس محكمة استئناف الإسكندرية أن أي تعديل في صلاحيات المحكمة الدستورية العليا أو محاولة الغائها يصطدم بعوائق دستورية في الوقت الراهن لأن تحقيق ذلك الغرض يستلزم تعديل دستور2012 والذي نص علي وجود كيان المحكمة الدستورية وحدد اختصاصاته, وأن أي تعديل في المحكمة يستلزم تعديل الدستور ذاته وهو أمر يصعب تحقيقه عمليا وقانونيا لأن تعديل الدستور يستلزم وجود مجلس نواب ومجلس شوري في وقت واحد لعرض تلك التعديلات عليهما والحصول علي موافقتيهما حتي يتسني طرحها للاستفتاء الشعبي سواء بالتعديل أو الإلغاء.. وبالتالي فإن ما يثار الآن عن اجراء استفتاء شعبي عملا بفصل المادة150 من الدستور( والتي تمنح رئيس الجمهورية هذا الحق بشأن الابقاء أو الالغاء) يعتبر تعديلا في الدستور, ذلك لأن المحكمة الدستورية موجودة أصلا وصلاحياتها التي تم الاستفتاء عليها, وبالتالي فإن إجراء الاستفتاء بشأن تلك المحكمة أمر ينصب علي إحدي مواد ذلك الدستور ويعني في حقيقته التعديل وهو ما يستلزم معه إتباع نفس قواعد وإجراءات تعديل الدستور وأن يكون هناك مجلس الشعب والشوري, وذلك أيضا لأن الاستفتاء يجب أن ينصب علي أمور خارج الدستور وليست في نصوص الدستور التي تم استفتاء الشعب عليها قبل ذلك. يؤكد المستشار أحمد الخطيب أن هذه الدعوات ما هي إلا دعوات فتنة تشعل الصراع السياسي وهي بعيدة كل البعد عن الاعتبارات الموضوعية والقانونية التي تحكم عمل القضاء لأن الاحكام التي تصدر لا ترضي كل الأطراف لأننا بصدد خصومات تختلف فيها المراكز القانونية وهو ما يؤدي إلي اشتعال الاجراءات وخروج التصريحات السياسية غير المنطقية والقانونية وتحالف الدستور والقانون. اما الدكتور شوقي السيد استاذ القانون الدستوري فيري أن الدعوة لحل أو الغاء المحكمة الدستورية العليا دعوة خبيثة تعكس اعتراض شخصية انتقامية وهي امتداد لما جري من قبل من اعتداء علي السلطة القضائية بكامل هيئتها كان منها الدستورية وهذا يفسر اتجاها ديكتاتوريا لنظم الحكم التي ترفض السلطات المستقلة التي يمكن أن تجبر الحاكم علي اتباع حكم القانون والدستور فيثور غاضبا بإلغاء أو بالاعتداء. ويضيف الدكتور شوقي السيد موضحا إن الذي يعود إلي تاريخ الرقابة الدستورية علي القوانين يجد أن القضاء المصري قبل ميلاد المحكمة الدستورية العليا كان يمتنع عن تطبيق النص القانوني إذا خالف نصا في الدستور وفي خطوة تقدمية أنشئت المحكمة الدستورية العليا لتقضي بعدم دستورية النص ولا تقف عند حد تطبيقه, وفي ظل دستور1971 جرت خطوة اكثر تقدما بإنشاء المحكمة الدستورية العليا عام..79 وظل قانون المحكمة8 سنوات تحت الدراسة والمناقشة وعمل الدراسات المقارنة واستطلاع آراء الخبراء والعلماء والمختصين والمشتغلين بالقانون, كما أشارت المذكرة الايضاحية لقانون الدستورية أنها استغرقت الرقابة الدستورية المختلفة السياسية والرقابة السابقة واللاحقة, فالقول الآن بإلغاء أو حل المحكمة الدستورية بسبب حكما قد صدر ضد النظام أو السلطة يمثل قمة الديكتاتورية بكل أسف وجهلا فاضحا بالمشروعية والدستورية وأساس الحكم في البلاد. وأوضح الدكتور شوقي السيد أن القضاء الآن يمر بمرحلة حاسمة في تاريخه فهو ليس بالقضاء الذي يتمناه كل مواطن مصري يرتفع عن الهوي والحسابات الخاصة فلا شك أن القضاء ورموزه قد آثروا الاندماج الواضح في الوضع السياسي والانحياز إلي طائفة أو أخري والابتعاد عن صحيح القانون. ويري المستشار محمد إبراهيم خليل نائب رئيس المحكمة الدستورية سابقا أن الأوضاع الحالية التي تمر بها البلاد حاليا سواء من الناحية الدستورية وما استتبعه من مشكلات برلمانيا قد جعل الوضع معقدا لا ينفع فيه حل جزئي بل لابد من إعادة النظر في المنظومة كلها بتشكيل لجنة عليا من أهل العلم والخبرة من اساتذة القانون الدستوري والقانون العام تتولي إعادة النظر في الدستور والتشريعات المتولدة عنه سواء بتشكيل وابتداع نظريات لا سند لها من القوانين الصحيحة والمبادئ القانونية الراسخة التي وضعها القضاة الأوائل والقضاة الروحيون للقضاء. ويطالب المستشار محمد إبراهيم خليل بضرورة أن يعود القاضي إلي منصته فلا يتحدث إلا من خلالها مجردا من الهوي والزيف وما لم يحدث ذلك وبسرعة جدا فإن إنهيار القضاء المصري قادم جدا وساعتها لا نلوم إلا أنفسنا.