لم يعد الغش في الامتحانات مجرد قصاصة ورق صغيرة ميكروسكوبية يحاول الطالب اخفاءها, ثم يبرزها في غفلة من المراقب في لجنة الامتحان, لكن هناك قفزة هائلة في هذا المجال بعد أن اندثرت جميع حالات الغش الكلاسيكية وشهدت الامتحانات علي مستوي التعليم الجامعي وقبل الجامعي أساليب تكنولوجية حديثة ومتطورة أطلق عليها البعض الغش الالكتروني, وقد انتشرت الظاهرة الجديدة بأشكالها التي تحبط من همم الطلاب المتفوقين وتصيبهم بالاكتئاب واليأس وتجعلهم علي قدم المساواة مع الغشاشين الذين استباحوا تلك الوسائل أو نجحوا في الحصول علي مجاميع عالية واحتلال المراكز الأولي بطريق غير شرعي علي الاطلاق, ومع كل عام يطالعنا الطلاب بوسائل وأدوات غش تكنولوجية مبتكرة, منها علي سبيل المثال استخدام سماعات البلوتوث الحديثة والتي تتسم بحجمها الضئيل جدا وتوافقها تكنولوجيا مع أجهزة المحمول وأجهزة أم.بي ثري. والآي باد والبلاك بيري.. وماشابه ذلك, حيث يضع الطالب أحد هذه الأجهزة في جيبه أو في مناطق حساسة من جسمه أو في ثنايا ملابسه, ومن خلالها يستطيع في أثناء الامتحان سماع المقرر أو أجزاء منه علي هذه الأجهزة عبر البلوتوث, بحيث لايلفت نظر المراقب, كما يمكن للطالب استخدام سماعة البولوتوث علي هذا النحو وهي مثبتة علي ساعة يد أو نظارة طبية أو خلف المسطرة أو الممحاة أو علي أي من الأدوات المكتبية التي يستخدمها في أثناء الامتحان, وكذلك استخدام المحمول للاتصال بشخص ما, خارج قاعة الامتحانات ويلقنه أسئلة الامتحان كاملة ثم يقوم الشخص المتلقي بالإجابة وتلقين الطالب عبر البلوتوث بالاجابات, ومن أبرز أدوات الغش الالكتروني التي تم ضبطها أيضا ساعة يد علي هيئة آي باد تحمل ذاكرة كبيرة حيث يمكن تخزين المادة بالكامل عليها ويستعين بها الطالب خلال الامتحان في الاجابة دون لفت نظر الملاحظ أو المراقب, والأدهي من ذلك قيام بعض الطلاب بتصوير ورقة الأسئلة بالمحمول بسرعة البرق في أثناء الامتحان وإرسالها عبر البريد الالكتروني الي شخص مايقوم بالاجابة السريعة وارسالها للطالب عبر المحمول للاجابة, وأحسب ان هناك الآن متخصصين في ابتكار وسائل حديثة للغش الالكتروني وبيعها للطلاب الغشاشين بمبالغ باهظة, فضلا عن أن هناك طلابا متفوقين في الغش الالكتروني لكنهم فاشلون دراسيا, الأمر الذي ينعكس علي العملية التعليمية بأكملها, ولا نبالغ اذا قلنا إن هذه الظاهرة لها تأثيراتها المباشرة والسلبية علي مستقبل البلاد ونموها, حيث لاتعكس نسبة النجاح أو التقديرات والدرجات الحاصل عليها الطلاب مستواهم الحقيقي وتخل بمبدأ تكافؤ الفرص وتجعل الغشاشين يحتلون المراكز الأولي والمجاميع العالية وبالتالي تسير مخرجات التعليم الي حافة هاوية وسوء مستوي الخريجين وافتقارنا الي كوادر بشرية تتسم بالكفاءة والتفوق العلمي, لذا يجب ان تتكاتف وزارتا التعليم العالي والتربية والتعليم لمواجهة هذه الظاهرة حتي نحصل في النهاية علي تعليم متميز وخريج قادر علي مواجهة التحديات وخوض سوق العمل, وفي هذا السياق اقترح بعض الإجراءات التي ينبغي اتباعها حتي نقضي علي هذه الظاهرة علي النحو التالي: يجب عدم السماح للطلاب بدخول اللجنة الامتحانية وبحوزتهم أجهزة محمول أو أي أدوات تستخدم في الغش الالكتروني والغاء امتحانات أي طالب تضبط معه هذه الأدوات علي اعتبار أن حيازتها تعني الشروع في الغش. ينبغي التشويش الكامل علي أجهزة الغش الالكتروني داخل اللجان الامتحانية, ذلك باستخدام أجهزة تشويش لها خاصية عزل هذه الأجهزة عن شبكات الاتصال المختلفة, مع العلم أن جميع أجهزة التشويش أصبحت زهيدة الثمن ومتداولة في الأسواق المحلية ولكنها تباع في الخفاء. ينبغي تعديل لوائح برامج التعليم القائمة علي الحفظ والتلقين ووضع امتحانات تعتمد علي قدرات الطالب العقلية التي تحتاج الي التفكير والاستنباط والتحليل الجيد وإلمامه بالمواد, الأمر الذي لايسمح علي الاطلاق باستخدام أدوات الغش الالكتروني بمختلف أنواعه. قيام وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم بدورات تدريبية مكثفة لجميع المراقبين والملاحظين علي مستوي اللجان الامتحانية والتعريف بأحدث أدوات ووسائل الغش الالكتروني وكيفية التعامل مع الطالب في حالة ضبطه متلبسا نتيجة استخدامها. د. حسن علي عتمان نائب رئيس جامعة المنصورة