الناس تختلف طبائعهم اختلافا كثيرا.. بحيث لا تكاد تجد اثنين نسخة طبق الأصل من أحدهما الآخر.. فكما تتباين بصماتهم تتباين طبائعهم.. تجد واحدا من الناس متجهما طول الوقت أو معظمه.. وهومتأهب دائما للعراك أو الاشتباك مع الآخرين.. الأقربين منهم والأبعدين.. أي كلمة أو إشارة تثير ثائرته.. ويرد عليها بما يراه مناسبا من وجهة نظره بالأعنف من القول أو الفعل.. والناس تتحاشاه وتتجنبه اتقاء لشره وإيثارا للسلامة. وتجد انسانا آخر بشوشا لا تفارق البسمة وجهه.. وهو واسع الصدر.. ويعامل الناس بالحسني ما وسعه إلي ذلك سبلا.. ولا يبادرك بالإساءة ولا يرد علي الإساءة بالمثل وإن قدر عليها.. ترتاح لصحبته والتعامل معه.. وقد تستشيره في أمورك الخاصة بلا حرج.. وهو يساعدك بلا تكلف ولا تصنع. وهناك من الناس من يؤجل قيامه بما يتعين عليه القيام به.. سواء كان ما يتعين عليه القيام به خاصا به هو نفسه أو بأحد غيره.. ولا يبدأ في التحرك إلا في آخر لحظة.. وقد يدرك ما يريده أو يفوته ادراك ما يريده لفوات الوقت.. وهو يؤجل كل شيء حتي الصلاة يؤديها في آخر وقتها وقد تفوته. ومن الناس من يؤدي كل شيء في بداية وقته أو بداية استحقاقه.. ولذلك فهو لا تفوته فرصة ولا يضيع عليه استحقاق.. وأموره لذلك مرتبة وأشغاله ممنهجة.. ولا تتراكم عليه الواجبات. من الناس من يتوقع الخير لنفسه ويرجوه للآخرين.. ومنهم علي الطرف الآخر من لا يتوقع الخير لنفسه ولا يرجوه للآخرين. نماذج كثيرة للناس.. ونماذج كثيرة لطبائعهم وما جبلوا عليه من صفات وسلوكيات.. أو قل ما جبلوا عليه وأعني ما وجدوا أنفسهم عليه.. والمهم في كل هذا أن الانسان لا يجوز منه الركون إلي ما وجد نفسه عليه إن لم يكن مستحسنا أو مرغوبا فيه ومتعارفا عليه. الانسان يستطيع إن أراد أن يبدل ويعدل من صفاته الموروثة.. ويبدأ صفحة جديدة من صفاته المكتسبة.. أي التي اكتسبها بإرادته وعزيمته.. فما وجد فيه خيرا من صفاته الموروثة احتفظ به وزاد عليه حسنا.. وما لم يجد فيه خيرا أزاحه عنه.. واستبدل غيره به.. حتي يكون في سائر عمره راضيا عن نفسه وعن انجازاته التي اكتسبها وحققها بإرادته.. متوجها بذلك إلي الله سبحانه.. أي يطهر نفسه ويزكيها.. ابتغاء وجه الله وطمعا في مرضاته.. وهذا هوالهدف الأسمي الذي لا هدف قبله يستأهل السعي إليه.. ولا هدف بعده إن تحقق له مرضاة الله عز وجل.. هذا إن كان مؤمنا حقا.. فمرضاة الله هدف ليس بعده شيء.. وليس قبله شيء يستحق الذكر.. والله معنا إن حاولنا.. والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين..( العنكبوت96).