تجاوزنا من قالوا الدستور أولا وبدأ المجلس العسكري في تنفيذ أولي مهام الخريطة السياسية التي رسمها ووافقه الشعب عليها في اول استفتاء تم بعد الثورة في 19 من مارس الماضي بان تبدأ الانتخابات أولا, ولم يكن أمام الإرادة الشعبية في تلك الظروف التي حدث فيها الاستفتاء الا الموافقة لقد فرض عليها الاستفتاء. وجري الاستفتاء علي تعديلات يغلب عليها الطابع الشكلي او الاجرائي اختصت ببعض النواحي ولم تمس السلطات المطلقة للرئيس. فقد هيمن علي فكر ووجدان طالب هذه التعديلات واللجنة اننا بصدد انتفاضة او انقلاب علي النظام فحادوا عن فكر الثورة. ولكن هذا الأمر أدخلنا في دوامة لايعلم مداها إلا الله وكيفية الخروج منها بعدما انفرط عقد الاحزاب والقوي السياسية المشاركة في العملية الانتخابية خاصة بعد النتائج التي افرزتها المرحلة الاولي للانتخابات البرلمانية التي غلبت عليها الطائفية الدينية وأسفرت عن سيادة التيارات الإسلامية ممثلة في قطبي جناحي اليمين واليمين المتشدد حزبي الحرية والعدالة والنور وكلاهما يشكل الذراع السياسية للدعوة الإسلامية سواء الاخوانية أو السلفية بغض النظر عن المقاعد المحتملة لبقية الاحزاب الدينية الاخري سواء الوسطية منها او الاصولية. الأمر الذي أدي الي توجس الكثير من القوي السياسية من سيطرة أغلبية برلمانية ذات أيديولوجية دينية تهيمن علي وضع الدستور, ولم يقتصر الأمر علي ذلك بل رفضت القوي الإسلامية البند التوفيقي لوثيقة السلمي لوضع ضوابط لاختيار جمعية تأسيسية من أطياف الشعب المختلفة بزعم ان ذلك يعد التفافا علي استفتاء19 مارس الذي يقضي باختصاص الاعضاء المنتخبين لمجلس البرلمان باختيار جمعية تأسيسية كما رفض حزب الحرية والعدالة الاشتراك في المجلس الاستشاري الذي شكله المجلس الاعلي للقوات المسلحة للمشاركة في اقتراح ضوابط اختيار لجنة وضع الدستور. الأمر الذي يدفعنا الي القول بوجود إشكالية في آلية وضع الدستور قد يحتدم الخلاف ويطول الوفاق حولها وان هناك ضرورة دستورية تفرض علينا ايجاد حل يتفق والمبادئ الدستورية والديمقراطية والمطالب الثورية. وفقا للأعراف الدستورية التي سادت الديمقراطيات المتقدمة ان الدستور هو الذي ينشيء السلطات, ومن بينها السلطة التشريعية ومن ثم لايجوز ان تتحكم هذه السلطة في وضع الدستور, او يكون من نتاجها ومن غير المنطقي ان تحدد سلطاتها فهي سلطة منشأة بموجب الدستور الذي تستمد منه وجودها وشرعيتها واختصاصاتها. ولذا كان من الضروري ان تتولي وضع الدستور هيئة منتخبة من الشعب بوكالة خاصة ومحددة وهذه الهيئة لاتعلوها سلطة اخري فهي مستودع السيادة وفوق كل السلطات الاخري, مهمتها مؤقتة بوضع الدستور الذي ينشيء السلطات العامة وينظم سير اعمالها ولذا يطلق عليها السلطة التأسيسية الأصلية. وإن كان هناك طريقة اخري لاختيار السلطة التنفيذية لجمعية تأسيسية تضم كافة الهيئات والقوي السياسية المعنية بيد أن الطريقة الاولي بانتخاب جمعية هي الاكثر ديمقراطية وتواكب مطالب الثوار, ولا سيما بعد ثورة قامت ضد السلطة التنفيذية. يمكن أن يحدث ذلك في وقت معاصر لانتخابات مجلس الشوري بتعديل دستوري فأتصور ترشيح أعضاء الجمعية التأسيسية من خلال قوائم مناظرة لدوائر الشوري الثلاثين وليكن خمسة مرشحين بكل قائمة في ذات يوم الاقتراع علي الشوري القادمة علي ان يتم ترشيح اعضائها من الآن بمعايير مغايرة عن مرشحي المجالس النيابية تتفق ومهمة وضع الدستور الأمر الذي لايكلف الدولة ولايثقل كاهل الناخبين, ويمكن اشتراك كافة القوي السياسية والمستقلين وائتلافات الشباب من خلال كيانات سياسية تشترك في تلك القوائم, بالإضافة الي تعيين ممثلين من الهيئات والمؤسسات المعنية وغير الممثلة برلمانيا كالهيئات القضائية والجامعة والأزهر والكنيسة والقوات المسلحة والشرطة يتم ترشيحهم من قبل مجالسهم. وتبرز اهمية تشكيل الجمعية التأسيسية في أن مشروع الدستور الذي ستنتهي إليه في ظل ظروفنا الحالية لا يوجد سبيل أمام الشعب الا الموافقة عليه وبذلك نضمن اختيار جمعية تأسيسية يمثل بها كافة طوائف الشعب لتضع لنا دستورا ننعم من خلاله بالديمقراطية والحرية والعدالة والمواطنة بعيدا عن العصبية والقبلية والطائفية والأغراض الحزبية يوسع من رقعة الديمقراطية ولا يعد التفاقا علي التعديلات الدستورية فهو إجراء ديمقراطي لاحق تحتمه الضرورة الدستورية مرجعيته الشعب صاحب السيادة ومصدر السلطات. ويقول الله تعالي في محكم آياته وشاورهم في الأمر وأمرهم شوري بينهم كما يقول الرسول الكريم انتم اعلم بشئون دنياكم صدق الله العظيم ورسوله الكريم.