معبداية موسم الامتحانات في كل مراحل التعليم المدرسي منها والجامعي اطلعت علي الدستور الجديد لافهم مستقبل التعليم في مصر بعد الثورة, والذي تصورت ان يخصه الدستور بفصل وافر يحقق مستقبلا مشرقا للاجيال المقبلة, ويكون مضمون هذا الفصل المخصص للتعليم واضح المعالم محدد الاهداف مثلما هو الحال في كل الدول المتقدمة او التي تريد ان تتقدم( علي غرار ماليزيا ودول اخري سبقتنا في هذا المجال) والذي كان من المفترض ايضا ان تخصه الدولة في ميزانيتها باعتمادات مالية مناسبة لاعداد الطلاب في كل مراحل التعليم, والذي هو الاساس في نهوض وتقدم اي مجتمع.الا انني صدمت بل عجزت عن فهم بعض المعاني ومنها المعني العبقري للمادة التي تنص علي تعريب العلوم في الدستور المصري الجديد. فبحثت قدر استطاعتي في تطور لغات العالم علي مر الزمان, فوجدت انه لا تصور لأمة من ثورة فكرية كاسحة للرواسب بهدف التطوير في أي مجال, إلا أن تكون بدايتها نظرة عميقة عريضة تراجع بها اللغة وطرق استخدامها لأن اللغة هي وعاء الفكر, ومحال أن يتغير هذا إلا بتغير تلك. والعالم الذي نعيشه اليوم تسوده روح علميه واقعية, ينشغل الناس فيه بالعلوم الطبيعية أكثر من العلوم السابقة مثل التاريخ والمنطق والشعر والنثر.. الخ.. فعندئذ يجب أن ينعكس ذلك علي اللغة, فتري أصحابها يتخذون منها أداة ترمز إلي الواقع المحسوس, أكثر مما يتخذونها عدسات ينفذون منها إلي اللانهائية والخلود, وهذا الانتقال يتطلب تغيير الأداة أي الاتجاه إلي لغة الإعلام الواقعية العلمية محددة المعني. وقبل أن نبدأ الحديث عن أنفسنا, أود أن أنقل لمحة عن النشاط الفكري الذي كان قد بدأ بعد أربعة أعوام من قيام الثورة الفرنسية وقدمه المعهد القومي للعلوم, فقد قسم المعهد العلوم أقساما ثلاثة: قسم العلوم الطبيعية, وقسم لعلوم الأخلاق والسياسة, وقسم ثالث للفنون الجميلة بما فيها الأدب, وما يهمنا هنا هو القسم الثاني, قسم العلوم الأخلاقية والسياسية. فقد فرعوه إلي فروع ستة, أخص بالنظر في تحليل فرع منها هو الإحساسات والأفكار, لأنه هو الفرع الذي عني بتحليل المعرفة الإنسانية تحليلا يبين وسائلها ومداها وحدودها, وهنا نأتي إلي البحث في اللغة من حيث الوسيلة التي لا وسيلة سواها لنشأة المعرفة الإنسانية وتكوينها وتطويرها. وهو ما يثبت أن اللغة ليست لمجرد التعبير عن أفكار تكونت, بل هي جزء لا يتجزأ من عملية التفكير والفلسفة العقلية نفسها, واللغة لكي نحللها تحليلا دقيقا يجب أن نساير رموزها, فكلما وقفنا عند جزء من مشهد ما كانت عنه لفظة تميزه كقولنا( وادي أو بركان أو غير ذلك), فبهذا وحده يمكن بعد ذلك أن يصور الرائي لغيره ما قد رآه, وبغيره تعود الأجزاء فيتداخل بعضها في بعض بغير تمييز, ومعني ذلك لا معرفة بغير تحليل, ولا تحليل بغير رموز, أي بغير ألفاظ, وبعدها تتطور هذه الألفاظ معني من إشارتها إلي الفرد الجزئي, إلي إشاراتها إلي الكلي الذي يطلق علي مجموعة متجانسة من المفردات. وعليه نستنتج من ذلك أن تطوير العلوم مرهون بتطوير اللغة, وهي نتيجة لها من الأهمية والخطورة ما لا يحتاج منا إلي بيان لأن في هذه الحالة يصبح محالا أن يتغير للناس فكر دون أن تتغير اللغة في طريقة استخدامها, وعليه لن نصل إلي تعريب العلوم في الكتب المدرسية والجامعية أو البحثية بالدستور أو بدونه إلا بعد أن نطور اللغة العربية وندخل عليها المصطلحات الملائمة للعصر الذي نعيشه. خاصة ان مفردات اللغة العربية تفوق بكثير مفردات أي لغة من لغات العالم, الفرق إننا نحن العرب نقصر توظيف اللغة العربية علي مجموعة محدودة من الكلمات نعيد ونكرر استخدامها دون أن نبذل الجهد في البحث في كنز اللغة العربية( لغة القرآن الكريم) لوجدنا فيها كل المفردات التي يحتاجها أي باحث أو كاتب أو مفكر لتطوير لغة خطابه أينما كان أولا, ثم ننظر في تعريب العلوم بعد ذلك, فلا يصح هذا قبل ذلك, وإلا نكون قد وضعنا الحصان إمام العربة كعادة العرب في هذا الزمان, وان كنا نحن العرب من اخترع أول الزمان تلك العربة نفسها, فعلينا اولا ان نصنع العلوم الحديثة ونطورها فتكون عربية خالصة ينقلها عنا العالم فيترجمها ونصدر نحن العلوم( مثلما كان الحال في عصور النهضة عند العرب) بدل ان نستوردها ونبحث كيف نسن لها الدساتير لكي نعربها.ولذلك يجب ألا ننسي ما قاله من قديم الزمان عميد الأدب العربي أستاذ الأجيال الدكتور طه حسين إن لغتنا العربية نحن نملكها كما كان القدماء يملكونها, ولنا أن نغير فيها كما كانوا يغيرونها. فلا تعريب للعلوم بدون تطوير لعقولنا ثم للغة....... صحوا نومكم يا هؤلاء لمزيد من مقالات د. أيمن رفعت المحجوب