بعد مرور10 سنوات علي حكم الزوجين كيرشنر للأرجنتين, الرئيس الراحل نستور كيرشنر الذي تولي الرئاسة في عام2003 وزوجته كرستينا التي خلفته في2007 ومازالت تحكم حتي الآن, تروج الحكومة الأرجنتينية أنها كانت فترة تتميز بالنهوض بدولة مفلسة, وبمحاكمة قادة الديكتاتورية العسكرية, وبمواجهة أصحاب النفوذ الاقتصادي. وعلي الرغم من احتفال الرئيسة الأرجنتينية بما تسميه عقدا من الانتصارات, إلا أنه خلال6 سنوات من ال10 الماضية عانت الأرجنتين معدل تضخم مرتفع جدا يقدر الآن بنحو24%, كما أنها غارقة في نزاعات مع شركائها التجاريين, إضافة إلي مشكلات القضاء والإعلام المحاصرين من قبل حكومة تحب أن تصور نفسها كحاملة لواء حقوق الإنسان, لكن يبدو أنها تميل إلي عدم مسامحة أي معارض لسياساتها الوطنية والشعبية. لكن رغم ذلك كانت هناك قصص نجاح أيضا في هذا العقد تتضمن تقليل نسبة الفقر, وتقديم مخطط إعانة الطفل, والهبوط الهائل في معدل الدين إلي الناتج المحلي الإجمالي إلي40% بعد ما كان166% في2003, ونتيجة لذلك يعتبر المواطن الأرجنتيني أن فترة حكم آل كيرشنر من أفضل الفترات في تاريخ هذا البلد. الحقيقة أن التغيير الذي أحدثه الزوجان في الأرجنتين لم يكن بالأمر الهين أو وليد اللحظة, فمنذ عام2001 كان آل كيرشنر يحكمان بعقلية الحصار. فعملا علي بناء صورة جديدة للسلطة, وساعدا نفسيهما باختيار أعداء يكرههم الجميع ويفتقدون إلي أي نوع من أنواع القوة التي قد تسمح لهم بالتحرك ضدهما( المؤسسة العسكرية الضعيفة, علي سبيل المثال, أو الأعضاء المدنيين في الحكومة الدكتاتورية السابقة التي تولت حكم البلاد في الفترة من عام1976 إلي عام1983). ولكن التغييرات الهيكلية البنيوية التي كانت تحتاجها الأرجنتين لم تكن قد تمت حتي ذلك الوقت, فالفساد كان مستشريا. إلا أن الزوجين كيرشنر أحسنا صنعا باستغلال الثروة المكتسبة من الصادرات في تعزيز الاقتصاد وتحسين الظروف المعيشية بين الطبقات المتوسطة والفقيرة. ولقد كان ذلك إنجازا علي قدر عظيم من الأهمية. واقام الزوجان الحاكمان اللذان كانا من ناشطي اليسار خلال السبعينيات, علاقات وثيقة مع فنزويلا ورئيسها الراحل هوجو تشافيز ودول اخري يحكمها اليسار مثل اكوادور وبوليفيا والبرازيل وكوبا, وبينما كانت بوينوس ايرس خلال التسعينات تمتثل لتعليمات واشنطن, تعثرت العلاقات والتف نظام كيرشنر نحو الصين وهي اكبر مستورد لإنتاج الصويا التي تعتبر الارجنتين اكبر مصدريها في العالم(81 مليار دولار خلال2012). وخلال فترة رئاسته التي إستمرت5 سنوات من عام2003 استطاع كيرشنر أن ينجو ببلاده من براثن الأزمة الخانقة وأجري خطة للإصلاح الشامل في البلاد, فقام بتمويل مشروعات التعليم والخدمات الصحية فضلا عن تنفيذ برنامج وطني استهدف تحسين مستوي المعيشة بنسبة60% من المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر. واستطاع من خلال برنامجة الانتخابي أن يضع حدا لسلسلة المظاهرات التي اجتاحت الأرجنتين لمدة18 شهر وأدت إلي خلع أربعة رؤساء خلال أسبوعين فقط, واضعا متطلبات الفقراء فوق أي اعتبار, وسرعان ما فرض نفسه كرجل قوي في البلاد بفضل الإنعاش المذهل الذي أحدثه للاقتصاد في وقت وجيز, غير أن كيرشنر رفض الترشح لولاية ثانية وآثر الدفع بزوجته لتكمل المسيرة. كان فوز كريستينا فرنانديز دي كيرشنر في الانتخابات الرئاسية عام2007 مؤشرا لبداية تجربة سياسية تتجاوز الحدود الوطنية: ألا وهي تجربة حكم الزوجين. ليست المسألة هنا أن الزوجين كيرشنر يتمتعان بنفوذ شامل, ولكنهما أيضا كانا يسبقان بعام واحد ثنائي السلطة الزوجان كلينتون في الولاياتالمتحدة, وهو ما أضفي علي هذا الوضع هالة من الأهمية امتدت إلي ما هو أبعد من أمريكا اللاتينية. لم يكن نستور كيرشنر راغبا في ترشيح نفسه للمنصب مرة أخري, علي الرغم من حقه في ذلك قانونا ورغم تفضيل الناخبين له علي زوجته. فهو طبقا للدائرة الداخلية المحيطة كان يريد أن يتجنب التحول إلي رئيس ضعيف بلا سلطة عند نهاية مدة الولاية الثانية في الحكم. وهنا يكمن العامل الملهم المحتمل الذي دفعه إلي تسليم السلطة إلي زوجته مبكرا, فلا أحد يصدق أن مثل هذا الصرح من الممكن أن ينفصل عن الحكومة, أو أن كيرشنر سوف يمتنع عن مشاركة زوجته في اتخاذ القرارات كرئيسة للبلاد. وهذا يعني أن الشعب الأرجنتيني قد اشتري بالفعل رئيسين بثمن واحد. لقد صوت الأرجنتينيون من أجل الاستمرار كان ذلك هو الشعار الرئيسي في حملة كريستينا الانتخابية لأن أوضاعهم قد تحسنت كثيرا منذ عام2001, حين كانت البلاد في وسط أزمة مالية وسياسية طاحنة. والآن بعد مرور ما يقرب من عقد من الزمن علي النهضة التي صنعها كيرشنر, الأرجنتين الآن تتمتع بازدهار اقتصادي وهي ثالث أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية, صحيح أن الشعب الأرجنتيني مازال ينتظر المزيد من رئيسته التي ألمحت إلي عدم نيتها الترشح في الانتخابات القادمة, ولكن لا أحد يستطيع أن ينكر التأثير الإيجابي والطفرة الهائلة التي أحدثتها عائلة كيرشنر في البلاد.