لم تنل المظاهرات التي خرجت الي موسكو وكبري المدن الروسية تطالب برحيل بوتين من اهمية ما يطرحه الزعيم الروسي من افكار ومخططات تستهدف لم شمل ما انفرط عقده منذ عشرين عاما وما اعلنه رؤساء روسيا وقزقستان وبيلاروس حول تاسيس الفضاء الاقتصادي الموحد الذي ثمة من اعتبره خطوة جادة علي طريق تحقيق حلم احياء الاتحاد السوفيتي السابق. وكانت تاجيكستان وقيرغيزيا اعربتا عن الرغبة في الانضمام الي هذه الوثائق في الوقت الذي تحاول فيه موسكو استمالة اوكرانيا وهو إن تحقق سوف يعني استكمال خطوات انشاء كيان موحد يرقي في قوته بعض ما كان عليه الاتحاد السوفيتي الاتحاد السابق مع حلول عام.2015 في توقيت مواكب لحلول الذكري العشرين لانفراط عقد الاتحاد السوفيتي السابق وقع الرؤساء الثلاثة ميدفيديف ونزاربايف ولوكاشينكو وثائق تاسيس الفضاء الاقتصادي الموحد. ويستند هذا الكيان الجديد الي التكامل الاقتصادي لروسيا وقزقستان وبيلاروس علي غرار الاتحاد الأوروبي وبما يسمح بانضمام بلدان جديدة بما يسمح بتحقيق الحلم الذي طالما راود الزعيم الروسي فلاديمير بوتين العائد بقوة الي الكرملين مع حلول مارس من العام المقبل موعد الانتخابات الرئاسية الروسية المقبلة. ورغم ان بوتين سبق ووصف في مقال نشرته صحيفة ازفيستيا ما يقال حول حلم استعادة الامبراطورية ب التقديرات الساذجة فان ما اودعه هذا المقال من افكار يميط اللثام عن توجهات مماثلة ومنها ما افصح عنه من نوايا تجاه انشاء كيان اقتصادي يتمتع مواطنوه بحرية التنقل والعمل والاقامة وبما يتجاوز ما كان يتمتع به مواطنو الاتحاد السوفيتي السابق الذين طالما عانوا من قيود الحركة واختيار مقر العمل والاقامة. وكان بوتين سبق واشار الي ان سقوط الاتحاد السوفييتي كان اكبر الكوارث الجيوسياسية التي شهدها القرن العشرون وإن كان قال ايضا ان من لم يشعر بالاسي تجاه سقوط ذلك الاتحاد انسان بلا قلب, ومن يريد اعادة بنائه انسان بلا عقل. ومع ذلك فان هناك من الشواهد ما تشير الي ان الاتحاد الاورواسيوي المرتقب يستند الي نفس الكيان الاقتصادي الموحد الذي اعلن عنه رؤساء روسيا وبيلاروس وقزقستان ويعتبره بوتين نقطة الانطلاق نحو فضاء اكثر رحابة مفتوح امام انضمام بلدان اخري تبدو اوكرانيا بما تتمتع به من كثافة سكانية عالية ومساحة جغرافية متميزة بموقعها وما يحويه باطن اراضيها من ثروات طبيعية, في صدارة البلدان المرشحة لدعم فكرته. غير ان اوكرانيا سارعت بالاعراب عن تحفظاتها تجاه الانضمام الي الكيان الجديد وعللت ذلك بتطلعها اكثر الي الانضمام الي الاتحاد الأوروبي, وهو ما علق عليه بوتين بقوله ان الاتحاد لايضع نفسه في مواجهة احد مؤكدا انه سيكون جزءا من اوروبا الكبري فيما اشار الي انه علامة فارقة ليس فقط في تاريخ البلدان الثلاثة بل وبالنسبة لبقية بلدان الفضاء السوفيتي السابق التي سبق ودعاها الي الانضمام الي هذا الاتحاد بما يمكن ان يتسع وفي حال انضمام اوكرانيا لما يقرب من مائتي وخمسين مليون نسمة يعيشون في المساحة الكائنة بين الصين في الشرق وحتي حدود الاتحاد الأوروبي غربا. ويعتمد بوتين في فكرته علي ان الاتحاد الجديد يشمل بمزاياه اليوم167 مليون نسمة ومنها حرية نقل رؤوس الأموال وضمان حرية التنقل وحق اختيار موقع العمل أو الدراسة والاقامة والتي سوف يتمتع بها مواطنو البلدان الثلاثة اعتبارا من مطلع عام2012 دون اية قيود علي العمل والاقامة, وهو ما سوف يستند الي ما تحقق من نتائج تراكم الكثير من التجارب والخبرات التي تراكمت لدي هذه البلدان بحلوها ومرها بما فيها تجربة الدولة الاتحادية بين روسيا وبيلاروس وكذلك منظمة بلدان معاهدة الامن الجماعي وبلدان التحالف الجمركي, وثمة شواهد تقول ان هذه التجارب ساعدت كثيرا في تجاوز تبعات الازمة المالية التي عصفت بالعالم في عام2008 من خلال تعزيز اجراءات التكامل الاقتصادي وتبادل الاستفادة من القدرات الاقتصادية لتطوير التجارة وعلاقات الانتاج. ونذكر ان بوتين أكد علي ان ما يطرحه من افكار يتجاوز تجربة الاتحاد السوفيتي السابق الذي كان يفرض قيود الاقامة والعمل علي مواطنيه بما لم يكن يسمح بمثل ما يطرحه من حريات تقترب من تلك التي يتمتع بها مواطنو بلدان الاتحاد الأوروبي بموجب اتفاقيات شينجين. وثمة ما يشير الي ان توجهات بوتين الوحدوية تاتي في سياق مع ما سبق واعلنه في مؤتمر الامن الاوروبي في ميونيخ في فبراير2007 حول ضرورة وضع حد لهيمنة القطب الواحد وانفراد دولة بعينها بمفاتيح القرار الدولي في اشارة واضحة الي استدعاء ما سبق وتمتعت به بلاده من قوة خارقة ومكانة متميزة. وكان بوتين نجح في الحد من ظاهرة انتشار الثورات الملونة في الفضاء السوفييتي السابق وهو ما تجسد لاحقا في افول نجوم الثورة البرتقالية في اوكرانيا, وسقوط الرئيس قرمان بك باقييف الذي تزعم ثورة السوسن في قيرغيزستان, واحكام طوق العزلة حول رئيس جورجيا ميخائيل ساكاشفيلي بعد سحقه عسكريا جزاء غزو قواته المسلحة لاراضي اوسيتيا الجنوبية في اغسطس2008, وعلي الرغم من المواقف السلبية التي جوبهت وتجابه بها سياسات بوتين المتشددة فان هناك في العواصمالغربية من يفضل التعامل معه لانه صاحب قرار مؤثر ويمكن التباحث معه والوصول الي نتائج قابلة للتنفيذ, فضلا عن ان تحسين العلاقة معه سوف يعني ضمنا علاقة افضل مع بلدان الفضاء السوفيتي السابق وحلفائها في القارة الاسيوية ولاسيما بعد ان اعلن عن عودته التي قال انها قد تستمر لولايتين متتاليتين اي حتي عام.2024 وعودة الي سيناريو توحيد الفضاء السوفيتي السابق نشير الي انه يتسم بعقلانية التوجه سعيا وراء بلوغ الهدف المرجو دون تعجل نتائج تحقيق التكامل في المجالات الاقتصادية والمصرفية بعيدا عن اية أطر سياسية قد يتخذها البعض سلاحا في معركته الدون كيشوتية ضد أي خطوات وحدوية تستهدف جمع أطراف الفضاء السوفيتي السابق, وفي هذا الاطار تتدارك القيادة الروسية اخطاء سابقاتها سواء السوفيتية ابان سنوات حكم ميخائيل جورباتشوف الذي اعلن البيريسترويكا بما كان يستهدفه من اعادة بناء النظام السياسي قبل الاقتصادي, أو عهد بوريس يلتسين الذي حاول احتواء غضب اليسار والغالبية الساحقة المناهضة لحربه في الشيشان وتفريطه في السيادة الروسية وهيبة الدولة في تعامله مع الغرب في منتصف تسعينيات القرن الماضي من خلال إعلان دولة الاتحاد مع بيلاروس والتي سرعان ما تداعت اركانها بعد رحيله نتيجة محاولة تعجل بعض الرموز السياسية من الدولتين الانفراد بالقرار والاستئثار بالزعامة.وهكذا صار من المفروض واعتبارا من اول يناير2012 البدء في تنفيذ17 اتفاقية جري توقيعها في كل مجالات التكامل الاقتصادي تمهيدا لولوج المرحلة الختامية للتكامل مع حلول2015 من اجل وضع لبنات الاتحاد الاورواسيوي وتوحيد العملة بين البلدان الثلاثة ومن يتحالف معها تحت لواء الفكرة الجديدة التي اعترف بوتين بفضل نور سلطان نزار بايف رئيس قزقستان وكونه اول من طرحها حول عشاء جمع رؤساء البلدان الثلاثة في ضواحي موسكو في مطلع القرن الحالي. ولعل الاعلان عن هذه الحقيقة التي اكدها اكثر من مصدر غير روسي تدحض ما يتطاير من اتهامات في حق روسيا وقيادتها السياسية التي طالما حاول خصومها انتقاد سياساتها نحو التكامل مع رفاق الامس القريب واتهامها بمحاولات استعادة الهيمنة الامبراطورية والعودة الي سياسات التوسع الاستعمارية علي حد تعبيرهم, في نفس الوقت الذي لا تكف فيه بعض القوي الغربية عن محاولات التوسع شرقا خصما من رصيد روسيا في هذه البقاع.