حفظناها عن ظهر قلب في كتب الجغرافيا.. ذات موقع استيراتيجي, جوها معتدل أما كتب التاريخ فأرهقتنا كثيرا لحفظ حضارة عريقة تفيض بكم من الأسر والملوك لكل منهم بصمات وآثار ومقتنيات, وتوالت تواريخ الملكية والجمهورية ثم النضال والأسماء الوطنية والتحولات الجذرية. اما الطبيعة فحدث ولا حرج بداية من نيل ورمال ناعمة وسماوات صافية وأحجار ينبض بها جوف الأرض ونباتات تنبت في حضن الجبال, ذلك الذي جذب حضارات أوربية لتنقش تراثها المعماري علي الجدران وهناك القباب والقبب المعجونة بالطين وملح الأرض.. لهجات ولكنات وزي فضفاض مطرزوبراقع وحلي, مواويل وأساطير, ربابة.. عود وسمسمية, حلقات ذكر, موالد, سيرة شعبية, وأوبرا.. هذه هي أم الدنيا مصر! ولأنها معين لا ينضب من التراث فقد تأسس من أجلها مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي يحاول جاهدا أن يجمع ويحفظ كل ما لديها من تراث في صرح واحد, وبزيارة واحدة اليه نكتشف ما هي مصر ؟ ولماذا تنفرد بلقب أم الدنيا؟ وكيف صمدت آثارها وتراثها أمام تحديات الغزاة من البشر والدول, أوأمام هجمات الطبيعة والتلوث ؟ إنه مركز توثيق التراث الطبيعي والحضاري التابع لمكتبة الإسكندرية ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات, ويرأسه دكتور ياسر الشايب, الذي يسعي إلي تطبيق أحدث التقنيات في توثيق التراث المصري الثقافي الملموس والسمعي والبصري بالتعاون مع المؤسسات المتخصصة المحلية والدولية, بالاضافة الي نشر هذه الموثقات بهدف زيادة الوعي بالتراث الحضاري والطبيعي عن طريق وسائل الإعلام المختلفة, لذلك يقودنا المركز الواقع علي طريق اسكندرية الصحراوي بالقرية الذكية الي تقسيمات عديدة تفصح عن كنوز مصر الدفينة في جميع المجالات والتي تنتشر علي الانترنت لكي تصبح في متناول يد الجميع علي مستوي العالم, ليتمكن الكل من زيارة مصر في موطنه أولا, قبل أن يقرر أن يتنفس هواءها العليل وتلمس أنامله رمال صحراءها. وعلي رأس تقسيمات المركز برنامج مصر الخالدة وهو متوافر بثلاث لغات في عرض تفاعلي علي الموقع الالكتروني يعرض علي تسع شاشات رقمية هي الأولي من نوعها في العالم بحيث ينفرد مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي بمجموعة من المعارض وشاشات العرض التي يعرض من خلالها جميع مشروعاته للجمهور, كما يقوم بإصدارها عن طريق النشر أو الأقراص المضغوطة,ومن أبرز هذه الإصدارات مجموعة أطلس الآثار الذي يتضمن خرائط شاملة بمواقع الآثار ووصفها المفصل في كل محافظات مصر المختلفة بالاضافة لتراث مصر المعماري وهويرصد تلك الانتعاشة الكبري في معمار الفترة من عام1860 إلي عام1940, بنمط بناء أوروبي فريد متأثرا بالبيئة المحلية والمادية, كما رصد الخواء المعماري الذي شهدته شوارع وسط المدينة ما بعد عام1940 إذ سيطر الأسلوب الدولي علي الساحة المعمارية, ويتم التوثيق علي نحو غير مسبوق من خلال تناول رقمي يتوج محاولات قلة متفرقة من العلماء الذين سبق لهم توثيق جانب من عمارة القاهرة المهددة بالاندثار والتشويه, حيث يتأسس التوثيق علي نظام المعلومات الجغرافي(GIS) الذي يمكن المستخدم من تصفح قاعدة البيانات ومشاهدة وطبع المعلومات المفيدة, وتحديد مواقع أبنية تاريخية علي خريطة للقاهرة. اضافة لتوثيق التراث الطبيعي الذي يضم معلومات مفصلة عن الوجود النباتي والحيواني والتكوينات الجيولوجية والمعالم الحضارية المتصلة بمواقع معينة أو مناطق حماية, ولزيادة فرصة زيارة مصر كمقصد للسياحة البيئية يتم ذلك بالتوازي مع تسجيل تراث مصر الفني عبر العصور بمختلف أشكاله بداية من الغناء التقليدي الذي يمثل طبيعة كل ريف ومحافظة وقرية ونجع في برمصر, وحتي اللآلات التقليدية ثم المستحدثة والأصوات الغنائية التي أصبحت علامات في تاريخ الفن دوليا ويحتوي المركز علي أرشيف أكبر عدد من قدماء المصورين المستشرقين الذين رصدت عدساتهم ذاكرة مصر منذ القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في كل الموضوعات, وحاليا وبتصريح من د. ياسر الشايب يعد مركز توثيق التراث قرصا مدمجا بذاكرة قراءة فقط, يضم مجموعة لينرت ولاندروك الفريدةوتتضمن1200 صورة عالية الجودة, أبيض وأسود ومصنفة موضوعيا. وغيرها من تراث مصرالشعبي وكانت سيناء آخر محطات مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي حيث صرح الدكتور ياسر الشايب, بأن مركز الزوار هو خاتمة مشروع توثيق التراث الحضاري لبدو جنوبسيناء والذي استغرق تنفيذه أربعة أعوام(20112007 م) بتمويل من الاتحاد الأوروبي, وقد أطلق علي المركز بيت حتحور نسبة للآلهة المصرية القديمة للمنطقة, بجانب وضع نموذج لإدارة الموارد الثقافية للتراث الحضاري في جنوبسيناء, من خلال المسح والتوثيق والحفظ والإدارة لمنطقة سرابيط الخادم الأثرية, بمشاركة السكان المحليين للمنطقة.وقد حصد مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي العديد من الجوائز العربية والعالمية, منها جائزة القمة العالمية الخاصة من الإمارات العربية المتحدة, وجائزة ستوكهولم للتحدي من السويد لبرنامج خريطة مصر الأثرية, وجائزة التميز في المكتبات والمعلومات من الاتحاد العربي للمكتبات