كثيرون منا يتذكرون الحادثة الشهيرة, في الأربعينيات, عندما تقدم أحمد لطفي السيد لانتخابات البرلمان, نائبا عن قريته بأحد مراكز المنصورة. لقد سأله الناخبون: يا أستاذ.. هل أنت صحيح ديمقراطي؟ فأجاب باعتزاز: طبعا أنا ديمقراطي جدا.. فسقطوه في الانتخابات! لقد قال لهم الخبثاء إن الديمقراطية هي الكفر بعينه, فصدقهم الطيبون, وكان ما كان! يا خلق الله.. إن الليبرالية لا علاقة لها بالكفر أبدا. الليبرالية مصطلح سياسي, كغيره من المصطلحات العديدة, التي نتداولها كل يوم. إن الليبرالية في أحد تجلياتها هي الدعوة للحرية السياسية, بمعني أن يذهب الناخب بكامل حريته إلي صندوق الانتخاب. .. طيب, تعالوا نعود بالذاكرة قليلا إلي الوراء سبعة أو ثمانية أشهر, ونتساءل: هل كان أحد يتصور أن الدكتور المهندس محمد مرسي الإخواني يمكن أن يصبح رئيسا للبلاد؟ الحمد لله, ها هو الله تعالي قد شاء, وأصبح مرسي رئيسا لنا. فما الذي أتي به إلي الرئاسة؟ الصندوق طبعا. وهاهو الرجل يسير بين الناس مطمئنا, واثق الخطوة, فإن سألته لماذا الاطمئنان, ولماذا الثقة؟ رد عليك بهدوء: إنها الشرعية ياعزيزي. ومم اكتسبت شرعيتك يارئيس البلاد؟ من الناس الذين انتخبوني. أليست الانتخابات هي الليبرالية؟ من كان يصدق أن جماعة الإخوان, أو السلفيين, أو أمراء الجماعة الإسلامية المطاردين, يمكن أن يدخلوا البرلمانات, ويرتدوا الكرافتات, ويرطنوا باللغات, ويستقبلهم زعماء العالم بالأحضان والقبلات وتخبيط الكئوس والابتسامات؟.. فمن أعطاهم تلك الفرصة؟ أليست الانتخابات؟ وما هي الانتخابات؟ أليست إحدي تطبيقات الليبرالية؟ تعالوا مثلا نتحدث عن صراع القضاة الآن مع الإخوان.. هل هو صراع إسلامي؟ أعوذ بالله, من يجرؤ أن يقول ذلك وكلا الفسطاطين مسلم موحد يعفر جبهته بالتراب وهو ساجد؟ فماذا هو إذن؟ صدق أو لا تصدق, هو صراع ليبرالي. إن كلا الطرفين يريد مصالحه السياسية, ولا أحد تحدث منهم عن الشريعة أو الكتاب والسنة, أو تطبيق الحدود. مجرد مصالح سياسية. .. وتعالي لأشقائنا السلفيين الطيبين فماذا يريد السلفيون؟ لو سألتهم سيقولون: نريد الله ورسوله. جميل جدا.. ونعم بالله, وكيف يا أحبابي ستحققون ماتشتهون؟ سيجيبون: نحتكم إلي الصناديق. ونتساءل: أليس الصندوق لعبة ليبرالية؟ عظيم. دعونا نتعمق قليلا في المناقشة, ونسأل: هل سبق لسيادتك ودخلت بيتا من بيوت إخواننا الليبراليين؟ طبعا. وهل في المقابل دخلت بيتا من بيوت إخواننا الإخوان, أو السلفيين؟ برضه طبعا. هل هناك فرق؟ أبدا. الملبس هو الملبس, والحياء نفسه, والمأكل والمشرب نفسيهما, بل والمسلسلات التركي في كل بيت, والعشاء دائما فول وطعمية( إلا فيما ندر!) أين المشكلة إذن؟ إنها في الصراع السياسي! فما المطلوب إذن؟ مطلوب أن نلعب سياسة صح, وبالمعايير الليبرالية التي ارتضاها العالم الحديث. وإياك أن تستخدم ورقة الدين, فكلنا مسلمون( مع كامل احترامنا للأشقاء الأقباط فلهم مقال آخر عن حدود المواطنة والليبرالية والبلد الواحد) وهذا يقتضي منا جميعا عدة ضوابط: أولا: إنك في لعبة الليبرالية, لاينبغي أن تعول كثيرا علي النيات الحسنة, وكلمة الشرف, وحسن الأخلاق.. فهذه صفات لاتلجأ إليها إلا عندما تريد أن تزوج ابنتك, وإنما المطلوب وضع ضوابط تشريعية ملزمة, يصنعها البرلمان, بحيث تطرد كل من يحاول الخروج عن اللعبة إلي خارج الملعب. وهذا يقتضي بالتبعية اختيار برلمان ناضج متنوع فاهم شغله.. فانتبهوا أيها المصريون وأنتم ذاهبون للتصويت! وثانيا: إن اللجوء إلي الشعارات الدينية مرفوض مرفوض مرفوض. ومادمنا قد اتفقنا علي أننا في غالبيتنا مسلمون موحدون, فوفروا ياسادة شعاراتكم الدينية إلي الدعوة, وليس العمل السياسي. وهذا لو تدرون من أهم قواعد اللعبة الليبرالية. وثالثا: وهنا نوجه كلامنا للأصدقاء أبناء المشروع الإسلامي, كفوا عن تصوير المخالفين لكم في اللعبة السياسية بأنهم مخطئون. إننا جميعا في مركب واحد, هو هذا الوطن الرحيم مصر, فإن لاقدر الله سقط سقطنا جميعا. الليبرالية كلمة أجنبية صحيح, لكنها ليست كفرا, فإن سألك أحد الناخبين في قادم الأيام: هل أنت ليبرالي؟ أجب عليه بمنتهي الشجاعة, كما فعل لطفي السيد, وقل: نعم.. ديمقراطي وليبرالي وأفتخر! لمزيد من مقالات سمير شحاته