مفاجأة مذهلة لكل المنظرين والمحللين السياسيينفي مصر من نتائج المرحلة الأولي لانتخابات مجلس الشعب التي كانت بكل المقاييس والمعايير انتخابات حرة وليست ديمقراطية بالمفهوم الشامل لقواعد اللعبة الديمقراطية، التي صعد فيها- بسرعة الصاروخ- التيار السلفي الذي شارك في الانتخابات لأول مرة في حياته السياسية، لأن طاعة الحاكم وعدم المشاركة السياسية كانت منهجاً وفتوي لكبيرهم، ولكن بعد ثورة 25 يناير نزل السلفيون بكل أطيافهم السياسية إلي ميدان العمل السياسي وسيطروا علي المشهد بأفكارهم ودعواتهم ومحرماتهم الدينية والسياسية ولم يناوروا أحداً بل كانت دعواهم وشعاراتهم في الشارع السياسي للمواطنين في المرحلة الأولي تتسم بالترهيب والتخويف من دخول النار إذا لم يستمعوا لأصواتهم.فلم يكن السلفيون ظواهر صوتية لا وجود لها في الشارع المصري - مثل النخب السياسية التي لاوجود لها في الشارع - بل كان شعارهم الجنة لكل من انحاز إلي خندقهم والنار والتكفير لمن خرج علي النص.فكان حصولهم في المرحلة الأولي علي 25% من الأصوات مؤشراً خطيراً لمزاج وتركيبة الشعب المصري الذي يسبح في بعض الأحيان ضد التيار وانحاز للسلفيين، بل أصبحوا القاسم المشترك مع الإخوان المسلمين في أغلب دوائر الإعادة علي مستوي المحافظات التسع، حتي أصبح بعبع السلفيين يهدد الجميع في مصر المحروسة وأصبحت فزاعة السلفيين تهدد كل القوي السياسية الليبرالية والتيار القومي، حتي الإخوان المسلمون أصابتهم حالة من الذهول السياسي من انتشار السلفيين علي مستوي دوائر مصر المشتعلة رغم أنهم يخوضون الانتخابات لأول مرة في مصر بعد حرمان من العمل السياسي علي مدار أكثر من 60 عاما.فتعالوا نتخيل البرلمان الإسلامي القادم لو سيطر عليه التيار السلفي بجناحيه النور والإصلاح فستكون أولي جلساته بفصل الرجال عن النساء تحت قبة البرلمان وإلغاء البهو الفرعوني ليكون بهوا إسلاميا مفروشاً بالأرائك والمساند وأن يكون الزي الرسمي لنواب البرلمان الإسلامي هو العباءة والبنطلون وممنوع دخول القاعة لمن يرتدي البذلة وفصل العاملين في أمانة مجلس الشعب من الرجال عن النساء.وجدول الأعمال للبرلمان يبدأ من صلاة الظهر إلي صلاة العصر ولاتوجد طلبات إحاطة أو أسئلة أو استجوابات ولكن القرار بإجماع رأي الفقهاء وليس الأعضاء.وأول قرار لمجلس البرلمان الإسلامي أن مصر دولة دينية مرجعيتها الشريعة الإسلامية ولاوجود للمواطنة ولا الحريات ولا للقوانين الوضعية ولا للدولة المدنية، فهم لايعترفون بذلك لأنه رجس من عمل الشيطان، وكذلك السياحة والقمار وتبرج المرأة والشواطئ الخاصة والنوادي الاجتماعية وحريات الابداع والتفكير، والرسم والموسيقي والآثار هي ردة للعصر الجاهلي. فلذلك مطلوب تحرير العباد من هذا الإثم الشيطاني حتي يعودوا إلي قواعد التيار السلفي- للسلف الصالح- الذي يعتبر هو القدوة والنموذج الإسلامي الصحيح، بالإضافة إلي صدور تعليمات فورية للإخوان المسلمين وحزبهم الحرية والعدالة بأنه لاتوجد حرية أو عدالة بداخلهم، فوجب عليهم الانصياع لأوامرهم والانضمام إليهم وأن يتركوا المناورات السياسية الدنيوية ويتجهوا إلي حسن الختام الآخرة بعد 83 عاما في صراع تحت الأرض وفوق الأرض للوصول إلي السلطة لأنها لذة دنيوية زائلة، ويجب العودة إلي الله من خلالهم.فالبرلمان الإسلامي هو آخر طوق للنجاة لهم للتخلص من تشكيل حكومة ائتلافية والاصطدام بالمجلس العسكري، لكن اللجوء إلي برلمانهم الإسلامي هو القفز علي الواقع وعلي مفاسد السلطة الدنيوية لأن برلمانهم وسلطتهم روحية فيها الرجوع إلي الله للفوز بالجنة.. يمارسون فيها ما يريدون.فعلي الجماعات الإسلامية تنفيذ التعليمات السلفية فورا والدخول إلي البرلمان الإسلامي الذي هو المفاز الحقيقي في الحياة الآخرة فلا يوجد علي أجندته جدول أعمال لأن الأعمال مسجلة في السماء.وعلي التيار الليبرالي والقومي هؤلاء المدعون المتهمون بديمقراطيات الكفرة وحقوق الإنسان والحيوان وإلغاء التمييز وحالات الطوارئ وتداول السلطة ويبيحون زواج المثل والإجهاض فهم الفاسقون الجدد، ووجب علينا محاربتهم وقتلهم ووأدهم لأنهم كفرة وامتداد للكافرين، فلذلك أول قرار للبرلمان الإسلامي هو الحكم عليهم جميعا بالقتل والتمثيل بجثثهم حتي يكونوا عبرة لغيرهم وحتي تدفن أفكارهم وطموحاتهم ودعواتهم وبرامجهم ورؤيتهم الإصلاحية لأنها مستمدة من بلاد الفرنجة ضد الإسلام والرب.هذا سيناريو غير متوقع للبرلمان الإسلامي القادم لو سيطر عليه في المرحلة النهائية التيار السلفي الذي يريد أن يعيدنا للمربع صفر قبل ثورة 25 يناير.. فهل ستعاد الأصنام السياسية إلي واقعنا الديمقراطي الجديد؟ربنا يستر.. وشدّي حيلك يا بلد.