بعد طول ترقب وانتظار, خرج التعديل الوزاري الجديد إلي النور مثيرا لمزيد من الجدل السياسي والمجتمعي لعدة أسباب, الأول أن معظم الوزراء الجدد محسوبون علي التيار الإسلامي, السبب الثاني إختلاف تخصصاتهم عن التخصصات المطلوبة للحقائب الوزارية التي تم إختيارهم من أجلها. والحقيقة أن كلا الأمرين من وجهة نظري لا يشكلان الأهمية الكبيرة أو العورة الرئيسية في هذه الإختيارات وذلك لعدة أسباب. أولها أن الحكومة الحالية ستتغير بالضرورة عقب الإنتخابات البرلمانية المقبلة, ومن ثم فهي حكومة تتميز بسياسات إنتقالية قصيرة الأمد, مهمتها الخروج من الوضع الإقتصادي الحالي وعبور الفترة الصعبة, وأيضا وضع تصور لسياسات طويلة الأمد سيكون مناط تنفيذها لحكومات أخري, الأمر الثاني أن مسألة الإستقطاب السياسي مسألة طبيعية حيث يميل الحزب الحاكم حتي في أكثر دور العالم ديمقراطية إلي تشكيل حكومة من ذات الفصيل ليضمن الولاء الكامل, والقدرة علي تنفيذ السياسات والبرامج التي وعد بها هذا الحزب الجماهير التي إنتخبته, الأمر الثالث والواضح والجلي هو عزوف معظم الكفاءات من' التكنوقراط' عن تحمل أي مناصب وزارية أو خدمية في هذه المرحلة. المشكلة ليست في الإختيارات ولكن في الفكر وراء التغيير, علي سبيل المثال لماذا تم تغيير وزيري المالية والتعاون الدولي وهما شريكان رئيسيان في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي في الوقت الذي نحن فيه علي أبواب إتفاق مطلوب وبشدة مع الصندوق, الأمر الثاني أين هي الإستراتيجية الشاملة التي تلتزم بتطبيقها حكومة الدكتور هشام قنديل حيث يمكن القول أن الوزراء مناصب سياسية يلتزمون بتطبيق خطط واضحة وشاملة للحكومة القائمة. المهم ليس في إنتماء الوزراء السياسي بقدر أهمية قدراتهم علي الإدارة, ورؤيتهم لمهامهم المرتقبة. وللأسف معظم التصريحات المبكرة للوزراء الجدد خرجت عن الخط المطلوب والنغمة الصحيحية, المطلوب من وزير الإستثمار تحسين مناخ الإستثمار, وهذا لن يكون إلا عبر عدة أمور, أولها الإنتهاء من ملف' المصالحة' مع رجال الأعمال في الداخل والخارج, والأمر الثاني إنهاء كافة النزاعات القانونية والإدارية بين الحكومة ورجال الأعمال, الأمر الثالث إعداد برنامج زمني للإستثمارات المطلوب مشاركة القطاع الخاص بها علي مدي الخمس سنوات المقبلة, وبدء الترويج لهذا البرنامج, وبحث حزمة من التيسيرات والحوافز للمستثمرين لتشجيع المستثمرين الجدد, وتعويض المستثمر القائم عن كافة الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت به خلال الفترة الماضية. علي صعيد وزارة المالية لابد من إتمام الإتفاق مع صندوق النقد الدولي عبر حزمة من الإصلاحات يتضمنها برنامج شامل لتغطية الفجوة في الموارد والتي تفاقمت من12 مليار دولار لما يقرب من20 مليار دولار حاليا وذلك عبر سياسات مالية متوازنة لا تعتمد علي فكر الجباية الضريبية بقدر إعتمادها علي فكر الترغيب والتيسير علي الممولين. المشكلة الرئيسية أن الموازنة الجددية تعتمد علي مواجهة الزيادة في المصروفات التي تخطت108 مليار جنيه علي زيادة في عائد الضرائب بنسبة33%, وهو فكر يرتبط بسياسة' القطفة الاولي' حيث تنجح الدولة في جمع مبالغ كبيرة في العام المالي الجديد, ولكنها في ذات الوقت ستؤثر بشدة علي الموارد في الأعوام التالية وذلك لأن زيادة العبء الضريبي علي الممول سيقوده إلي الخروج حتما من السوق وبالتالي يقل المجتمع الضريبي القادر علي جلب موارد جديدة للموازنة. المهمة صعبة ولكن يمكن تحقيقها عبر عاملين, الأول وجود خطة مشتركة بين وزراء المجموعة الإقتصادية بحيث لا تؤثر سياسات المالية في الإستثمار أو السياحة أو الزراعة أو الصناعة أو التجارة, وأيضا أن يكون هناك برنامج واقعي لا يعتمد علي فكرة' جرة اللبن' التي قد تنكسر ولا تحقق أي نفع لصاحبها. بنود الموازنة الصعبة تتمثل في الدعم الذي زادت فاتورته لتصل إلي205 مليار جنيه, والاجور والمرتبات التي بلغت172 مليار جنيها وفوائد الدين المحلي والخارجي التي بلغت182 مليار جنيه, ومعاشات الضمان الإجتماعي التي زادت إلي57 مليار جنيه, ودعم الصحة الذي إترفع إلي34 مليار جنيه, ومخصصات التعليم التي تجاوزت82 مليار جنيه. وإذا ذهبنا إلي ملف الزراعة سنجد في مواجهتنا الكثير من القضايا المهمة, ولعل تصريحات أحمد الجيزاوي وزير الزراعة الجديد من ضمن تصريحات قليلة للوزراء الجدد التي ناقشت المهام المباشرة والموضوعات المرتبطة بعمل الوزارة, فمشاكل الفلاح مهمة وخاصة علي صعيد الأسمدة والتقاوي, ولكن أيضا موضوع المياه في غاية الخطورة, فلابد من التنسيق مع وزير الري حول البدائل المتاحة لمياه النيل والتي يمكن استخدامها في الزراعة, وكيفية إستنباط سلالات جديدة من القمح لزراعتها في صحاري مصر وهناك العديد من الأبحاث القيمة في هذا الخصوص أيضا لابد من البحث عن سبل جديدة لتخزين مياه النيل بدلا من ضياعها في البحر عبر شق ترع وقنوات موازية كفروع جديدة تغذي الأراضي الجديدة في الصحراء المصرية وخاصة في المناطق القابلة للإستزراع وفي مقدمتها أراضي سيناء. وزير البترول شريف هدارة أيضا أدلي بتصريحات مهمة وأعتقد أن أكثرها أهمية ما يتعلق بتوصيل الوقود اللازم لمحطات الكهرباء المغذية للمصانع. عمرو دراج وزير الدولة للتخطيط والتعاون الدولي مهمته وضع خطة إقتصادية بسيايات قصيرة الأجل للمرحلة الحالية, إضافة إلي التعاون التام مع وزارة الخارجية لتكون الدبلوماسية الإقتصادية مكملة للدبلوماسية السياسية وذراعا قوية لها. عليه أيضا إستثمار زيارات الرئيس مرسي وخاصة للدول في الشرق مثل تركيا وروسيا وإيران والهند والصين إضافة إلي دول أمريكا اللاتينية ومؤخرا البرازيل. إستثمار هذه الزيارات إقتصاديا مطلوب وبشدة حتي تتنوع مصادر التجارة والإستثمار في مصر, إلي جانب تعزيز العلاقات مع الشركاء التقليديين في أمريكا وأوربا. إننا أمام تحول مهم في أوضاعنا السياسية والإقتصادية, وفي هذه المرحلة لا يمكن الإستمرار في عزف نغمة الحكومة تعمل ما تراه, والشعب يعيش بطريقته, فلا غني عن تنفيذ الشعب لسياسات إصلاحية ستؤثر مرحليا وفي الفترة الأولي علي مستويات المعيشة لغالبية السكان وعلي وجه الخصوص الطبقة المتوسطة التي قد تسحقها بالفعل السياسات الإصلاحية, فمن المسلم به أن هناك إجراءات لحماية الطبقات الفقيرة, كما أن الطبقات الغنية قادرة علي دفع تكلفة الإصلاح, ستظل الطبقة الوسطي التي تعد صمام الامان لهذا المجتمع هي الأكثر معاناة والتي يجب أن تفكر فيها الحكومة, كما يجب عليها الإستعانة بها في تمرير برنامجها الإصلاحي. الطبقة الوسطي تحمل في جيناتها كل ثقافة المجتمع بفقراءه وأغنياءه, وهي الطبقة التي تضم أطياف المعارضة والتكنوقراط ومن خلالها تنجح السياسات أو تفشل, وأجد أن حكومة الدكتور هشام قنديل لم تحقق التواصل مع الشعب من خلال الحوار مع مثقفيه وفئاته المختلفة. وضع برنامج للإصلاح علي المدي القصير, مع تصور لسياسات متوسطة وطويلة الأمد, مصارحة الشعب بالحقائق, حوار موسع عبر مؤتمر إقتصادي كبير يضم المعارضة والأغلبية, والمفكرين والمثقفين, والتيارات السياسية المختلفة, هدفه التواصل, والتسامح, والخروج بالوطن من الممر الضيق, إلي أفاق رحبة من التوافق والعمل المشترك.