لقد ميز الله الإنسان في خليقته, وفي مسئوليته, وفي أبديته, فسائر الكائنات الأخري تبدأ الحياة ثم تنتهي حياتها, فهي تأكل وتشرب وتنمو وتكبر ثم تشيخ وتموت, ومنها ما هو خلق لطعام الإنسان, سواء كان طيرا أو حيوانا, أما الإنسان فقد خلقه الله وميزه علي سائر المخلوقات الأخري, وتمتد حياته بعد الموت إلي حياة أخري أسمي من مجرد اللحم والدم, وذلك ما يعرف بالقيامة, إذ تعود الروح إلي خالقها, إما لراحة أبدية, أو للعذاب الأبدي, من ثم كانت قيامة السيد المسيح تأكيدا ليقين خلود الروح بالقيامة, وقد أنبأ المسيح بموته وقيامته ليكون باكورة لقيامة المؤمنين, وتأكيدا لأبدية الإنسان بعد الموت. وأول إعلان للسيد المسيح في ظهوره لتلاميذه ولكثيرين بلغوا المئات هو دعوته للسلام قائلا: سلاما أترك لكم سلامي أعطيكم, لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب. لقد أكد السيد المسيح في تعليمه ونصائحه أن العالم بالضيقات والآلام والمعارك والحروب والنزاعات والخصام, وعلي المؤمنين أن يسهموا في صنع السلام, إذ وعد بسعادة صانعي السلام, حيث إن السلام هو رغبة الله ومقصده من الجنس البشري, حتي إن المؤمن مطالب بأن يكون صانعا للسلام مع البيئة, فندعوه صديق البيئة, والسلام ينتقل من دائرة الإنسان إلي كل ما حوله فيحافظ علي نقاء الهواء, ونظافة الماء, ومرافق الحياة المختلفة حتي تصبح البيئة كلها نقية ونظيفة في البيت, والشارع, والمرافق العامة, وكل هذا يعود بالنفع العام علي الإنسانية كلها. والقيامة أنشودة تبعث علي البهجة والفرح, فهي عكس الموت الذي يدعو إلي الحزن والكآبة, وأقرب الأمثلة قصة الأم التي رحل ابنها مع كتيبته العسكرية إلي ميدان القتال بعيدا عن موطن إقامته, وذات يوم جاءها خبر موت ابنها في انفجار لغم أرضي أودي بحياته مع عدد من زملائه, وحزنت الأم حزنا عميقا, وعلي مدي الأيام الثلاثة لم تكف عن البكاء مع محاولات كثيرة لحثها علي الصبر والاحتمال, أملا ورجاء أن يكتب له الخلود والبقاء في نعيم السماء. وفي اليوم الثالث دق جرس التليفون فتوقعت, كما اعتادت, أحد المواسين, وإذا بها تسمع صوت ابنها الحبيب, وتأكدت الأم أن ابنها لم يصب بأي سوء, فكانت فرحتها لا يعبر عنها, وقالت: ابني كان ميتا فعاش. والقيامة تعني حياة جديدة أكثر سعادة, وأوفر بهجة, وما أحوجنا إلي مراجعة النفس للانتقال من معسكر البغض والكراهية التي تنبع من ضيق أفق كضيق القبور, إلي الحياة الأرحب, فالقيامة تجديد للفكر, وتوسيع للأفق, واختبار لرحب الحياة, وقبول خليقة الله كمنحة جيدة لا يرفض منها أحد. لقد كان تلاميذ المسيح في خوف وتقوقع وانزواء خلف الأبواب المغلقة, ولكن عندما ظهر لهم السيد المسيح قال لهم: لا تخافوا, فها أنا معكم كل الأيام, وإلي انقضاء الدهر. القيامة إذن دعوة للفرح برغم الحزن والضيق بكل أنواعه وأسبابه. القيامة إذن دعوة للأمم والشعوب لتنفض غبار الخوف والكسل, وروح الاستسلام والهزيمة, والبكاء علي ما فات أو انسكب, حيث لا نفع فيه, ولا رجاء منه, بل نرفع عيوننا فوق إلي مصدر القوة والمعونة, فنكرر ما قاله داود النبي: أرفع عيني إلي السماء ومنه تأتي معونتي وترسي وخلاصي. وأخيرا القيام هي البداية من جديد, إذ يقال إن العنكبوت وهو أضعف المخلوقات لا يفشل في نسج خيوطه مهما قطعت, فإنه يعاود من جديد. أما آخر الأمثلة فهناك أمصال يطلق عليها أرقام مثل606, وهو آخر رقم للتجارب التي نجح بعدها الاختراع, إذن لنتأمل في القيامة والمقام حتي لا نفشل مهما تكن المفشلات والعقبات, فلنعش روح القيامة, ورؤي القيامة, ضمانا للحب والمصالحة لكل الجنس البشري, بل للخليقة كلها, لأنها من مصدر واحد, وهو خالق السماوات والأرض. رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر لمزيد من مقالات د. القس صفوت البياضى