ثمة من يرون أن جرائم الفساد هي في الأصل جرائم أخلاقية, يصعب مواجهتها دون تعزيز الجانب الأخلاقي في المجتمع, وتنمية القيم الدينية التي تحفظ للضمير الإنساني يقظته. باعتبار ان المواطنين هم الحصن الأول في محاربة الفساد, لكن تجارب الحياة تعلمنا كل يوم ان المال السايب يحض علي السرقة, وان ما لا يزع بالقرآن يزع بالسلطان, وان الجانب التربوي الديني في مكافحة الفساد علي اهميته وضرورته لا يغني عن تنظيم اعمال المراقبة علي المال العام, من خلال بنية تشريعية صارمة تدعم الاجهزة الرقابية, وتحقق لها الاستقلال الكامل بعيدا عن سلطات الدولة الثلاثة التشريعية والقضائية والتنفيذية, وتوفر الحماية لرؤساء هذه الاجهزة, وتحول دون تدخل السلطة التنفيذية في تعيينهم او عزلهم, وتحصنهم من أي ضغوط تستهدف التأثير علي عملهم, ومن خلال سرعة إصدار حزمة من التشريعات المطلوبة تفصل بين الثروة والسلطة وتمنع تضارب المصالح, وتحمي المبلغين والشهود, وتساعد علي تداول المعلومات بحيث لا تصبح حكرا علي جهاز بعينه يحبسها في الأدراج رغم خطورتها, ليتستر علي اوجه فساد واضحة يكشفها تضخم الثروات بسبب الوظيفة واستغلال النفوذ, ويمتنع استخدامها إلا في بعض الحالات لاهداف سياسية, تضمن ولاء هؤلاء الاشخاص أو تلزمهم الصمت المطبق! وأظن ان الشكر واجب لمدير جامعة عين شمس د حسين عيسي ولعميد كلية التجارة د. طارق حماد اللذين احتضنا مؤتمر الفساد الذي كشف دوافعه وخطورة البيئة الخاصة التي يترعرع فيها, حيث تنتشر المحسوبية والوساطة وتوريث الوظائف بصورة تغلق كل الابواب امام تكافؤ الفرص, كما تنتشر صور التمييز السلبي التي تقدم اصحاب الثقة علي اصحاب الخبرة, وتهدر النزاهة في قضايا التعيين والترقية, وتحرص علي وجود ثغرات في نظم المشتريات الحكومية توسع ثقوب الفساد.., وكلها أمراض يسهل استئصالها من جذورها إذا صح العزم وصدقت النيات, وتوافرت الإرادة السياسية التي تحرص علي الشفافية الكاملة في كل قراراتها, وتلتزم بقيم النزاهة في كل تصرفاتها, وتري في مكافحة الفساد قضية أمن قومي تستحق أولوية الرعاية والاهتمام. لمزيد من مقالات مكرم محمد أحمد