لأن رأس المال جبان, كما يقولون فمن العبث الحديث عن تدفق الاستثمارات الأجنبية والعربية أو حتي المحلية في ظل انتشار الفساد علي جميع المستويات, وكذلك انتشار البلطجة في ظاهرة غير مسبوقة في التاريخ المصري. انتعاش الاستثمار يحتاج الي بنية تشريعية متكاملة وخاصة ما يتعلق بمكافحة الفساد, ومن المؤسف أن تحتل مصر المركز ال211 من بين الدول الأكثر فسادا علي مستوي العالم, وهو ما يجعل المناخ العام طاردا للاستثمار والمستثمرين حتي كاد الفساد يتحول الي سلوك يومي لفئة كبيرة من الموظفين والقيادات في جميع المجالات بما فيها الأجهزة الرقابية والأمنية, علاوة علي المؤسسات والهيئات العامة والخاصة, وانقسم المجتمع الي نصفين كل فريق يضع يده في جيب الفريق الآخر, ثم يعود كل فريق ليشكو فساد الفريق الآخر, ونسي نفسه, وأنه هو الآخر أكثر فسادا, أو هو علي الأقل مشروع فاسد ينتظر اللحظة المناسبة ليتحول من مشروع فاسد الي فاسد حقيقي. لم يقتصر الفساد علي فئة بعينها أو أشخاص بعينهم, وإنما امتد الي قطاع كبير من الأشخاص والهيئات والفئات بدليل أننا نشكو جميعا كأولياء أمور من فساد التعليم والمدرسين, وهم يشكون بدورهم من الفساد إذا ذهبوا الي المرور أو الاحياء, وهكذا أصبحت كل فئة تضع يدها في جيب الفئة الأخري, وكأن الفساد تحول الي عقدة نفسية يمارسها الكثيرون دون أن يشعروا بها, وإن شعروا فهم يتلذذون بها اعتقادا منهم أنهم يأخذون جزءا من حقهم المسلوب في الجهات الأخري. في محاولة جادة لبحث الآفاق القانونية والاقتصادية للاستثمار في مصر بعد الثورة بادرت كلية الحقوق بجامعة بنها الي تخصيص مؤتمرها العلمي التاسع لهذا الغرض بحسب تأكيدات د. الشحات منصور عميد الكلية في كلمته الافتتاحية للمؤتمر, مشيرا إلي أهمية اعادة النظر في جميع التشريعات الحالية سواء فيما يتعلق بالمحاكم الاقتصادية أو الاصلاح الضريبي, وكذلك دراسة التصالح في جرائم المال العام بالإضافة إلي التحكيم كوسيلة لحسم منازعات عقود الاستثمار, وغيرها من التشريعات بما يؤدي في النهاية الي الحد من الفساد وتسهيل تدفق الاستثمار وطمأنة المستثمرين لأن الاستثمار لا يمكن أن يزدهر في بيئة حاضنة للفساد أو تنتشر بها أعمال البلطجة. لقد أصبحت الاستثمارات الأجنبية المباشرة أهم وسائل النمو الاقتصادي, حيث تستأثر الشركات الدولية بنحو03% من حجم التجارة العالمية وبما يقارب6% من الناتج العالمي, كما أصبحت الشركات دولية النشاط هي المصدر الرئيسي للتمويل في الوقت الراهن بالإضافة إلي دورها في نقل التكنولوجيا وتقديم الخبرات التسويقية والإدارية المختلفة. وطالبت د. ماجدة شلبي أستاذة الاقتصاد بضرورة عقد مؤتمر دولي للاستثمار في مصر يستهدف تسويق فرص الاستثمار في المجالات المختلفة مع تأكيد أهمية تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي وتطوير كفاءة الجهاز الإداري والحكومي والقضاء علي الفساد بجميع أشكاله. علي الجانب الآخر, فقد ركز د. طارق عبدالوهاب علي ضرورة القضاء علي البلطجة أولا قبل التفكير في زيادة الاستثمارات لأنه لن يكون هناك تدفق للاستثمارات الأجنبية أو حتي المحلية في ظل حالة الانفلات الأمني الموجودة حاليا وانتشار ظاهرة البلطجة وخطف رجال الأعمال وذويهم طلبا للفدية, مشيرا الي ضرورة الأخذ بما أطلق عليه الحل الجنائي للقضاء علي تلك الظاهرة, ويعني به تعديل وصف هذه الجريمة وتصنيفها علي أنها ضمن جرائم الإرهاب لأنها حاليا باتت تهدد أمن الدولة ومصالحها العليا وتلحق بالمجتمع اضرارا جسيمة, وهذا يقتضي تعديل المادة236 من قانون العقوبات, وتشديد العقوبات فيها لتصبح أحكاما رادعة مع تخصيص دوائر خاصة في المحاكم لها تختص بنظر تلك الجرائم علي نحو عاجل بما يعيد الاستقرار للمجتمع ويسهم في تدفق الاستثمارات الأجنبية والعربية والمحلية علي السواء. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة