المستقرئ لنصوص اتفاقية روما الصادرة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية في17 يوليو عام1998 والموقعة من حوالي89 دولة من بينها مصر, يجد أنها تضمنت نظاما قانونيا جنائيا متكاملا شارك في إعداده الفقيه القانوني المصري الدكتور شريف بسيوني أستاذ القانون الجنائي بجامعة شيكاغو ورئيس لجنة صياغة نصوص هذه الاتفاقية. وقد اشتمل هذا النظام القانوني علي مبررات انشاء المحكمة الجنائية الدولية والشكل القانوني لها, وتحديد الجرائم التي تختص بنظرها والإطار الزمني والنوعي والمكاني لهذا الاختصاص, والنظام القضائي الذي تتشكل منه المحكمة والسلطات الممنوحة لها, والقرارات والأحكام الصادرة منها وطرق الطعن فيها. وأول دعائم هذا النظام القانوني العالمي أن الموقعين عليه قد عقدوا العزم علي إنشاء هذه المحكمة من أجل الأجيال الحالية التي عانت من فظائع الحروب ووقعت ضحايا للإبادة الجماعية من أجل ذلك تختص المحكمة الجنائية الدولية بالنظر في جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والعدوان والجرائم ضد الإنسانية, وهي محكمة دولية لا تعتبر محكمة فوق محاكم الدول; وإنما يكون اختصاصها اختصاص تكاملي مكمل لاختصاصات المحاكم القضائية الجنائية الوطنية, بمعني أنه إذا وقعت بأي من الدول جريمة من هذه الجرائم فهي لا تستطيع مباشرة اختصاصها إذا كانت قد تمت المحاكمة في الدولة التي وقعت بها الجريمة واختص بها القضاء الوطني ومازال نظرها قائما أمامه أو انتهي إلي حكم فيها, لكنها تتدخل حينما لا يمارس القضاء الوطني دوره نتيجة الجرائم التي ترتكب ضد إقامة العدالة, أوالتي تمنع من إجراء محاكمة عادلة منصفة أو للتغطية علي مرتكبي تلك الجرائم, ولا تتدخل المحكمة الجنائية الدولية لممارسة هذا الاختصاص إلا بطلب من الدولة الطرف بالمعاهدة بإجراء تلك المحاكمة أو بإحالة حالة من مجلس الأمن إليها أو بناء علي طلب من المدعي العام بالمحكمة نتيجة تحقيقات يباشرها من تلقاء نفسه علي أساس المعلومات المقدمة إليه من رعايا دولة والمتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة طبقا للمادة15 من الاتفاقية, وهي في مباشرتها لاختصاصها في محاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب نوع من الجرائم المنصوص عليها حصرا لا تستثني شخصا من المسئولية الجنائية بسبب صفته الرسمية( مادة27 من الاتفاقية) مثلما يكون واردا في القانون الداخلي كحصانات رئيس الدولة و الوزراء الإجرائية التي تمنع من توجيه الاتهام إليهم في بعض الجرائم إلا من خلال جهة معينة, إلا أنها في ذات الوقت وبحسب نصوص إنشائها; لا يفهم من إحالة حالة إليها من مجلس الأمن أن تستخدم بموجب هذه الإحالة كأداة سياسية ضد شخص معين, فتوجه سيف الاتهام ضد هذا الشخص, وهو ما يعني أيضا أنه لا يمكن تفسير الإحالة ذلك التفسير المحدود أوالضيق الذي يعني قيام نزاع مسلح بين مجموعة أفراد أووحدات عسكرية داخل الإقليم كمعيار لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية, وإنما يمتد التفسير ليشمل الاضطهاد المنصوص عليه في الجرائم ضد الإنسانية والذي يعني حرمان جماعة من السكان في الإقليم الواقع فيه الجريمة حرمانا متعمدا وشديدا من الحقوق الأساسية بما يخالف القانون الدولي, ويتولي الفصل في هذه الجرائم قضاة تلك المحكمة الذين تتوافر فيهم مفترضات الحيدة والاستقلال والتي تفترض اختيار أعضائها والمدعي العام بها من ذوي الكفاءة العالية والسمعة الطيبة ويجوز الطعن في قراراتها وأحكامها بالاستئناف وطبقا لطرق الطعن المنصوص عليها بنظام المحكمة. والخلاصة أن المحكمة الجنائية الدولية لاتتدخل للاعتداء علي سيادة الدول بل تلجأ إليها رعايا الدول الذين يتعرضون لجرائم الاضطهاد حينما تتخلي عنهم الأنظمة الحاكمة لدولهم وتتخذ موقفا سلبيا يتسم بالتجاهل الذي يصل إلي حد التواطؤ, وبدلا من التمسك بشعارات الجهل والتخلف وأن رئيس نادي قضاة مصر يستقوي بالخارج وتلك أكذوبة فليثبت المسئولون عن إدارة هذه الدولة للشعب المصري والعالم أجمع أنهم يسارعون إلي محاسبة مرتكبي جرائم العدوان علي دور المحاكم والقضاة وتنفيذ الأحكام القضائية النهائية, والإمتناع عن التدخل في شئون العدالة أو المساس باستقلال القضاء بإصدار قوانين من شأنها تدمير السلطة القضائية وعدم تمكينها من أداء رسالتها في نصرة المظلوم وتحقيق العدالة. وإذ كانت مصر من أول الموقعين علي كافة الإعلانات العالمية الخاصة باستقلال القضاء وأهمها مبادئ الأممالمتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية, فليكن معلوما أن محكمة العدل الأوروبية في سابقة مماثلة لمشروع القانون المعروض علي مجلس الشوري, قد أصدرت حكما يعتبر أن صدور قانون في دولة أوروبية بتخفيض سن رجال القضاء هو نوع من العزل للقضاة, ويتضمن عدوانا علي استقلال السلطة القضائية. إذن إزالة العدوان الحاصل علي القضاة الآن يمكن للدولة أن تبدأ أولي خطواته بسحب هذا المشروع المشبوه وعدم مناقشة أي مشروع للسلطة القضائية قبل انتخاب مجلس النواب وقبل عرضه علي مجلس القضاء الأعلي والقضاة في جمعياتهم العمومية, بدلا من الحديث عن مؤتمر للعدالة تحت رعاية رئاسة الجمهورية, وهو أمر لن يجدي بأي حال في تحقيق الاستقلال المنشود للسلطة القضائية. لمزيد من مقالات د. مدحت محمد سعد الدين