يفترض ان تكون عاصفة قانون السلطة القضائية قد انحسرت او علي الاقل هدأت ثورتها وتراجع عنفوانها بالنتيجة الي اسفر عنها اجتماع الرئيس مع رؤساء الهيئات القضائية. الاتفاق الذي خرج به الطرفان يضع او هكذا يأمل اصحاب النيات الطيبة, نهاية واقعية للأزمة من خلال تبني الرئيس مشروعات تعديل القانون التي يتوافق عليها القضاة ويقدمها لمجلس الشوري. كان يفترض من المجلس ان يبادر هو بطلب هذه المشروعات الجاهزة بالفعل مثل مشروع المستشار مكي. وكان بوسع المجلس ايضا ان يطرح التعديلات علي مجلس القضاء الاعلي ليس فقط تجنبا لإثارة غضب القضاة ولكن إعمالا لنص الدستور. ودون الخوض في المبررات الموضوعية والأسباب الشخصية والحسابات السياسية لكل طرف والتي ستحدد موقفه من الاتفاق وهي نفسها التي حددت منذ البداية اسلوب تعامله مع المشكلة, يمكن الخروج بأربعة دروس مستفادة من الازمة. نسجلها علي سبيل الذكري فإنها تنفع المؤمنين. اولها انه اذا كان هناك من يجيد ويتعمد صناعة الازمات, ففي المقابل هناك من يتبرعون بوعي او بدون لإهداء فرص ثمينة لهؤلاء لكي يعيثوا فسادا. كلما انطفأت نار ازمة اوقدوا غيرها. ورغم الفارق الهائل في نيات الطرفين وأهدافهما فكلاهما وبالا علي البلاد. الاولون يريدونها حربا لا تبقي ولا تذر. والآخرون ادمنوا خوض المعركة الخطأ في المكان الخطأ والتوقيت الخطأ. والنتيجة في الحالتين واحدة. الدرس الثاني انه سواء تفجرت المشاكل بفعل فاعل ومع سبق الاصرار والترصد, او نتيجة حسابات خاطئة من اطراف لا يخالج المرء ادني شك في اخلاصها ووطنيتها فان استمرار انتاج الازمات علي هذا النحو وتصعيدها بوتيرة منتظمة تكاد تتماثل في كل مرة, يشي بحاجة السلطة الحاكمة الي تطوير ادائها فيما يتعلق بمهارات ادارة الازمات واحتوائها. في الخارج يتعاملون مع الازمة مثل اعصار فلا ينتظرون وصوله لكي يتحركوا. بمعني انهم يستقرأون المستقبل مبكرا ويضعون مجموعة من السيناريوهات للتعامل مع كل الاحتمالات. المطلوب قدر من الذكاء السياسي والخيال والتشاور قبل وليس بعد القرار. ثالث الدروس هو ان الازمة الحالية كما انها ليست الاولي بين السلطة القضائية من جانب واحدي السلطتين التشريعية او التنفيذية او كلتيهما علي الجانب الآخر فإنها لن تكون الأخيرة للأسف. ذلك ان فجوة الثقة تبدو هائلة وآخذة في الاتساع بين الجانبين, منذ الحكم بحل مجلس الشعب. يضاف الي ذلك الخطوات التصعيدية المتبادلة مثل التظاهر امام دار القضاء او حصار الدستورية. وفي المقابل الرد العنيف من نادي القضاة وأخره دعوة اوباما للتدخل والحديث عن انذار علي يد محضر للشوري لوقف نظر التعديلات. وهي خطوة اعتبرها بعض شيوخ المهنة تغولا من سلطة علي الاخري. او كما قال المستشار الخضيري تعادل ان يرسل الشوري انذارا الي قاض بعدم نظر قضية فهل هذا مقبول! الدرس الاخير هو ان المواطن البسيط الذي ينظر الي القضاء بإجلال واحترام باعتباره حصن العدالة وملاذ المظلومين قد تألم وحزن لحجم التهجم غير المسبوق علي القضاة من سياسيين وإعلاميين. ولكن من المؤكد انه تألم اكثر من التراشقات التي تابعها مذهولا بين شيوخ المهنة الاجلاء انفسهم. شيء غير سليم او مفهوم يحدث عندما يتبادل القضاة الاتهامات ويتحدث بعضهم عن ضرورة استقالة زملاء لهم او محاسبة متورطين في فساد او تزوير الانتخابات. كل هذا علنا ودون ان يصدر بيان رسمي يفيد بالتحقيق مع هؤلاء واتخاذ الاجراءات القانونية ضدهم او براءة ساحتهم. هناك شي غير سليم يحدث ايضا عندما يحاصر وكلاء النيابة مكتب نائبهم العام مطالبين باستقالته. بل ان الامر وصل بتجمع لشباب القضاة والنيابة ان يصف تجمعا قضائيا اخر بأنه كائن طفيلي. فما كان من الاخير إلا ان نشر قائمة بما قال انه مخالفات قانونية ولائحية لعمومية نادي القضاة. لا اكاد اصدق ان كل هذا وغيره كثيرا يحدث بين اهل البيت القضائي الشامخ. ولا اصدق ان القضاة يريدون ان يغتالوا بأيديهم صورتهم الناصعة في وجدان الشعب. الامر اذن لا يستحق الحزن فقط بل القلق ايضا. لمزيد من مقالات عاصم عبد الخالق