تغير الزمن وتغيرت الطباع وازدادت أعداد المغتربين وامتدت طوابير راغبي الهجرة أمام أبواب سفارات الدول المختلفة بدءا من الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا وانتهاء بكرواتيا, فماذا حدث لمصر وللمجتمع المصري ولماذا هذا التحول ولماذا اكتسب المصريون سمة جديدة لم تكن موجودة من قبل؟ خلال دردشة مع أحد الأصدقاء من المغتربين كان في زيارة قصيرة للقاهرة والذي كان ينتظر طويلا حتي ياتي اليوم الذي يجني فيه ثمار غربته وابتعاده عن مصر ليعود اليها مرة أخري فاذا به يصارحني بانه عدل عن هذا القرار أو حلم العودة الذي انتظر تحقيقه أياما وشهورا وأعواما دفعها من عمره وشبابه وتكبد في سبيلها الكثير..قال لي:' أحمد الله اني سافرت في الوقت المناسب والا كان زمان أولادي واقفين علي أبواب السفارات للبحث عن فرصة للهجرة' لم يكن السفر بالنسبة لصديقي اختياريا تماما فقد كان عليه أن يختار بين الغربة ومتاعبها أو الاستقرار في الوطن والانضمام الي طابور العلاوات والترقيات والاذعان لضربات الأسعار المتلاحقة, ولم يكن مرتبه كموظف حكومي وقت أن سافر لأول مرة في السبعينيات يسمح له بالزواج والانجاب والعيشة الكريمة..اذن فالغربة كانت اختيارا اجباريا بين وضعين أفضلهما سيء وأحلاهما مر. قال لي بمنتهي الصراحة:' حلم العودة كان الشئ الوحيد الذي يخفف متاعب الغربة, كنت أحسد أصدقائي وأقاربي ممن يعيشون علي أرض الوطن وسط أحبائهم وأهلهم وزملائهم في العمل وجيرانهم في أمان..اليوم انقلبت الصورة وتحول كل شئ الي العكس وأحمد الله اني لم أتسرع في قرار العودة فاليوم أنا اكثر أمانا واطمئنانا علي مستقبل أبنائي وعلي ثروتي' وعندما سألته عن مصر قال:' سوف آتي لزيارتها كلما اشتقت اليها' أتفهم مشاعر صديقي وكل هؤلاء من راغبي الهجرة والباحثين عن فرص عمل في الخارج سواء من الشباب أو الأهالي المتطلعين لفرص تعليم لأبنائهم في الخارج أوأصحاب الوظائف والاعارات الراغبين في مد اجازاتهم وعدم التعلق بحلم العودة مرة أخري للوطن.. ان ظاهرة إخفاء الواقع والتعامي عن الأخطاء والاكتفاء بالمظهر الجميل الخادع دون الاهتمام بالواقع الفعلي للأمور جعلنا نعيش حالة من اليأس, فلا يكفي أن يقول قائل إن مصر هي أم الدنيا ليسكت الجميع ولا ينطقون, ولا يهم أن يسال أحد عما اذا كان هذا القول ينطبق علي مصر اليوم, واذا لم يكن منطبقا فكيف السبيل الي استعادة الوطن؟ إن من أسوا الأمور خداع النفس ونحن كمصريين نخدع أنفسنا بمهارة نحسد عليها لأننا لا نريد أن نواجه الواقع, ولا نريد أن نقول إن مصر قد وصلت رغم الايجابيات المحدودة الي حد التقهقر الذي يستدعي سرعة البحث عن سبل العلاج والاصلاح والأمن ودفع عجلة الانتاج..