انطلاق المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب في 14 محافظة    «العمل» تواصل اختبارات المتقدمين للفرص في مجال البناء بالبوسنة والهرسك    اللجان الانتخابية بدائرة الهرم والعمرانية تستعد لاستقبال الناخبين في انتخابات مجلس النواب 2025    أسعار الفراخ فى البورصة اليوم الإثنين 10 نوفمبر 2025    الهدوء يسيطر على سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن الاثنين 10-11-2025    ارتفاع التضخم الشهري في مصر 1.3% خلال أكتوبر    مصرع شخصين جراء إعصار فونج وونج بالفلبين وإجلاء أكثر من 1.4 مليون شخص    بعد 40 يوما .. مجلس الشيوخ الأمريكي يقر مشروع قانون تمويل الحكومة لإنهاء الإغلاق الحكومى    جيش الاحتلال ينفذ عمليات نسف في الأحياء الشرقية لخان يونس    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونظيره المالي    وزارة الرياضة تقوم بحملات رقابية على مراكز الشباب بمحافظة البحيرة    توروب يسافر إلى الدنمارك لقضاء إجازة بعد التتويج بالسوبر    مواعيد مباريات اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025 والقنوات الناقلة    عاجل- الهرم تتأهب لانتخابات مجلس النواب وسط تأمين مكثف من الداخلية    اليوم.. طقس مائل للحرارة نهارا على أغلب الأنحاء والعظمى بالقاهرة 28 درجة    التعليم تحدد مواعيد امتحان شهر نوفمبر لصفوف النقل والدرجات المخصصة .. اعرف التفاصيل    6 ملايين مشاهدة لأغنية "سيبتلي قلبي" ل أنغام على يوتيوب (فيديو)    الثوم ب 100 جنيه.. أسعار الخضروات والفواكة في شمال سيناء    ب أماكن لكبار السن وذوى الهمم.. الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد لاستقبال الناخبين للتصويت في انتخابات مجلس النواب    ارتفاع أسعار النفط مدعومًا بتفاؤل بإعادة فتح الحكومة الأمريكية    أمريكا: اختبارات تكشف الجرثومة المسببة لتسمم حليب باي هارت    الرئيس اللبنانى يؤكد ضرورة الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها المستمرة على البلاد    لجنة المرأة بنقابة الصحفيين تصدر دليلًا إرشاديًا لتغطية الانتخابات البرلمانية    وزير المالية: بعثة صندوق النقد تصل قريبًا ومؤشراتنا مطمئنة    واشنطن تضغط على إسرائيل لبدء المرحلة الثانية من خطة ترامب    نقل محمد صبحي للعناية المركزة بعد إغماء مفاجئ.. والفنان يستعيد وعيه تدريجيًا    هاني رمزي: تجاهل زيزو لمصافحة نائب رئيس نادي الزمالك «لقطة ملهاش لازمة»    الزراعة: تحصينات الحمي القلاعية تحقق نجاحًا بنسبة 100%    «محدش كان يعرفك وعملنالك سعر».. قناة الزمالك تفتح النار على زيزو بعد تصرفه مع هشام نصر    السوبرانو فاطمة سعيد: حفل افتتاح المتحف الكبير حدث تاريخي لن يتكرر.. وردود الفعل كانت إيجابية جدًا    «لاعب مهمل».. حازم إمام يشن هجومًا ناريًا على نجم الزمالك    شيري عادل: «بتكسف لما بتفرج على نفسي في أي مسلسل»    الأهلى بطلا لكأس السوبر المصرى للمرة ال16.. فى كاريكاتير اليوم السابع    عدسة نانوية ثورية ابتكار روسي بديل للأشعة السينية في الطب    السقا والرداد وأيتن عامر.. نجوم الفن في عزاء والد محمد رمضان | صور    اليوم.. العرض الخاص لفيلم «السلم والثعبان 2» بحضور أبطال العمل    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 10 نوفمبر    مواجهات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلى شمال القدس المحتلة    مساعد وزير الصحة: نستهدف توفير 3 أسرة لكل 1000 نسمة وفق المعايير العالمية    ترامب يتهم "بي بي سي" بالتلاعب بخطابه ومحاولة التأثير على الانتخابات الأمريكية    طوابير بالتنقيط وصور بالذكاء الاصطناعي.. المشهد الأبرز في تصويت المصريين بالخارج يكشف هزلية "انتخابات" النواب    رئيس لجنة كورونا يوضح أعراض الفيروس الجديد ويحذر الفئات الأكثر عرضة    الطالبان المتهمان في حادث دهس الشيخ زايد: «والدنا خبط الضحايا بالعربية وجرى»    «مش بيلعب وبينضم».. شيكابالا ينتقد تواجد مصطفى شوبير مع منتخب مصر    باريس سان جيرمان يسترجع صدارة الدوري بفوز على ليون في ال +90    «لا تقاوم».. طريقة عمل الملوخية خطوة بخطوة    محافظ قنا يشارك في احتفالات موسم الشهيد مارجرجس بدير المحروسة    3 أبراج «مستحيل يقولوا بحبك في الأول».. يخافون من الرفض ولا يعترفون بمشاعرهم بسهولة    نشأت أبو الخير يكتب: القديس مارمرقس كاروز الديار المصرية    3 سيارات إطفاء تسيطر على حريق مخبز بالبدرشين    تطورات الحالة الصحية للمطرب إسماعيل الليثى بعد تعرضه لحادث أليم    كشف ملابسات فيديو صفع سيدة بالشرقية بسبب خلافات على تهوية الخبز    أداة «غير مضمونة» للتخلص من الشيب.. موضة حقن الشعر الرمادي تثير جدلا    هل يجوز الحلف ب«وحياتك» أو «ورحمة أمك»؟.. أمين الفتوى يُجيب    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.محمد جمال يكتب:الغربة1
نشر في الدستور الأصلي يوم 08 - 09 - 2012

أعرف أن كثيرين تمنوا أو توقعوا أن يكون هذا المقال بعنوان (وزير على نفسك 2) بعد الضجة الكبيرة التى أحدثها المقال السابق سواء على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى أو على شاشات التلفزيون،ولكننى فى الواقع لست من هواة استنساخ تجربة ما بغرض تكرار نجاحها،يمكنك طبعا أن تعتبرنى غبيا من الناحية الإعلامية،ولكن هذا مبدأى..كتبت المقال من جزء واحد وسيبقى واحدا حتى لو أثار موضوعه ضجة غير مسبوقة.

وبينما أنا أقيّم التجربة كلها وأرصد ردود الأفعال عليها وأسطر ملاحظاتى بخصوصها جاءتنى تلك المكالمة من رقم لم يظهر على شاشة هاتفى المحمول،لمست الشاشة لأستمع إلى صوت مألوف يقول بطريقته السريعة فى الحديث "آلو..محمد...أنا رامى عادل"

رامى عادل كمال..صديقى الذى سافر ونحن فى سنة الامتياز إلى أمريكا ولم يعد إلى مصر بعدها إلا مرة واحدة فقط ،رامى أخبرنى أن مقالى السابق أثّر فيه لدرجة جعلته لا يكتفى فقط بترشيحه لآخرين كى يقرؤوه وإنما أخذ يقرأه هو لهم بصوته "كأنى كده هوصلهم المعنى وأخليهم يفهموا أكتر" هكذا أخبرنى.

بعدها أخبرنى أن هذا المقال حرّضه على كتابة خواطره على ظهر تذكرة السفر وعلى ارتفاع آلاف الأقدام من الأرض وسألنى إذا ما كان فى استطاعتى أن أنشرها،استمعت إلى جزء منها واتفقنا على أن ينتهى منها فى أسرع وقت،ودارت بيننا بعدها العديد من المكالمات التليفونية ورسائل الموبايل والبريد الإلكترونى حتى وصلنا إلى الصورة التى ستقرأها.

مصر التي...
شيء ما يجثم على صدري، أعيش حالة من الحنين. تتدافع الأفكار في رأسي دون رابط محدد، أحاول يائسا أن أنحيها جانبا أو أطردها فلا أستطيع. لم أهدأ إلا حينما أمسكت قلما و شرعت أسطر هذه الخواطر و أنا على متن طائرة تفصلني مئات الأميال عن الأرض، لعلي أستريح

أنا مشتاق لمصر. نعم! أنا مغترب. المشكلة ليست في غربتي الجسدية عن "الأراضي المصرية" بل في غربتي الداخلية: غربة النفس. أبحث عن "مصر" فلا أجدها منذ أسابيع، كتبت على صفحتي الشخصية بأحد مواقع التواصل الإجتماعي، على خلفية أحداث دهشور الأخيرة و قصص التحرش الجنسي المنتشر هذه الأيام انتشار النار في الهشيم: "مصر الآن أصبحت دولة رخوة ذات خواء مؤسسي غير قادرة على حماية مواطنيها. هذا إن جاز لنا أن نطلق عليها دولة من الأساس. فهي على أفضل الأحوال مجرد تكتلات عشائرية من بشر يتبارى معظمهم في الجهل و التعصب و الحمق."

لست في العادة سوداويا لهذه الدرجة، و أعلم أن مصر بها عقول و قلوب من ذهب. ربما أكون قد بالغت و لكنني كنت محبطا و غاضبا. أعلم أن مصر لم تضح على هذه الشاكلة بين عشية و ضحاها، فهناك مقدمات كثيرة و بينة للقاصي و الداني أفضت إلى ما نحن فيه اليوم. و لكن حيث أننا وصلنا للدرك الأسفل، أعتقد أن المكاشفة أضحت لزاما علينا، بعيدا عن نظريات المؤامرة التي برعنا فيها بشكل يفوق الوصف، فلا أعتقد أن أطنان الرمال التي دفننا رأسنا تحتها سوف تغير من الواقع شيئا. يجب أن نفيق من سكرتنا قبل أن نصل إلى نقطة اللا عودة.

"ارفع راسك انت مصري..." سرت القشعريرة في بدني و أنا استمع إلى حمزة نمرة يصدح بهذه الأغنية الرائعة الخارجة من سماعات سيارتي و أنا أجوب شوارع وسط البلد في الأشهر التي تلت الثورة مباشرة. أشعر بالنشوة و الفخر. أفتح نوافذ السيارة و فتحة السقف و أنا أزيد من علو الصوت حتى يشاركني العالم كله استمتاعي بالأغنية.

عاد إلي وقتها شعور لم يخالجني سوى من ثمان سنوات قبل الثورة، في السابعة عشر من عمري، حين سافرت إلى مدينة "ليون" الفرنسية لدراسة الطب سنة 2003. كان لدي اعتقاد راسخ بأن مصر دولة حيوية تلعب دور البطولة في المنطقة و أنها محط أنظار العالم كله. كنت فخورا جداً بكل ما هو مصري و بكوني مصريا. في أحد الأيام، جاءني زميلي الفرنسي في السكن و أنا أذاكر، و وضع أمامي على الطاولة مجلة فرنسية معنية بالشئون السياسية، مبتسما في خبث.


استرعى انتباهي للوهلة الأولى صورة الغلاف للأهرامات. لكن ما شدني كان عنوان ملف العدد: "مصر.. الحقيقة المغايرة وراء المنظر الجميل". لم تكن ثورة المواقع الإجتماعية قد بزغت حينئذ، ولم أكن آنذاك معتادا علي تصفح المواقع الإلكترونية لكبريات الصحف العالمية و كانت هذه هي المرة الأولى التي أتعرض فيها لإعلام "مختلف". كان العدد عبارة عن سلسلة من المقالات تتحدث عن تردي الأوضاع في مصر في مختلف المجالات. كانت المرة الأولى التي أقرأ فيها أن الرئيس المصري في أفضل أحواله "قليل الديموقراطية"، و كيف أن دورنا الإقليمي قد تقزم وأن صناعة السينما عندنا تدهورت.

لست بالطبع ساذجا لدرجة أن تغير مجموعة من المقالات وجهة نظري في بلدي و فخري بها، فلست موهوما بالغرب و أعلم أن الإعلام الغربي قد يكون منحازا. ولكن بالرغم من ذلك، كان أدق ما يعبر عن شعوري وقتها هو المشهد الذي يكتشف فيه بطل فيلم "ماتريكس" الشهير، أن العالم الذي يعيش فيه و يعتبره واقعا ملموسا ما هو إلا دنيا افتراضية يحيا حبيسا داخل وهمها. أحقا ينظر إلينا العالم هذه النظرة؟ أليست هذه هي الصحف العالمية التي، طبقا لإعلامنا الرسمي، تشيد بحكمة الرئيس مبارك؟

عدت بعد سنة لأكمل دراستي في كلية الطب بمصر و كانت المرة الأولى التي أحتك فيها بالتعليم الحكومي. لكن الأهم من ذلك، أنه خلال سنوات دراستي بالكلية، أصبحت أكثر وعيا. بدأ أهلي في شراء صحف المعارضة، و أصبحت أقرأ الصحف العالمية بانتظام، و تعرفت على منظومة "العهر الإعلامي" التي كان يمارسها الإعلام الرسمي إبان العهد المباركي. أصبحت، و للمرة الأولى في حياتي، أفكر جديا في الهجرة بسبب فساد التعليم الجامعي و منظومة الرعاية الصحية عامة. و بدأت أولى بوادر "غربتي الداخلية" في الظهور.


أثناء سنة الامتياز التي رافقت أحداث الثورة، سافرت إلى الولايات المتحدة للتدريب بأحد مستشفيات جامعة هارفارد و التي ينظر لأساتذتها على أنهم صفوة المجتمع العلمي و نخبة المفكرين في العالم.

أثناء وقوفي داخل غرفة العمليات مع رئيس القسم، سألني عن مصر و الثورة و أدهشني ما رأيته من ثقافته الجمة و اطلاعه الواسع الذي لا يقتصر على الطب فقط. أردت التفاخر أمامه ببلدي فلم أجد سوى التاريخ. حدثته عن نبوغ المصريين القدماء في الجراحة و كيف أنهم أول من أجروا عملية لعلاج المياه البيضاء بعدسة العين. نظر إلي و سألني من خلف قناعه الجراحي:"عظيم جداً! أين أنتم الآن؟" قلت له إننا نستطيع أن نبدع إذا ما أوتينا الفرصة و كيف أن هناك قامات علمية عظيمة أمثال زويل و مجدي يعقوب استطاعت النبوغ و التفوق. قال لي:"دعني إذا أرى كيف يستطيع المصريون إثبات أنفسهم.


أنا أصلًا من السويد، لكن الولايات المتحدة بلد الفرص، يترقى فيها الأفراد بقدر اجتهادهم و علمهم. السماوات المفتوحة هي حدودك." بعدها بعدة أيام، عرض علي وظيفة باحث بقسم الجراحة تحت إشرافه، ليبدأ فصل جديد من حياتي لا أعلم فيه شيئًا عن مصر سوى من خلال الفضاء الإلكتروني و المحادثات التليفونية مع أهلي و أصدقائي، لتزداد غربتي أكثر.
هالني خبر طالعته منذ شهرين مفاده أن هناك محاولات لوقف مستشفى مجدي يعقوب للقلب بأسوان. و بصرف النظر عن نجاح تلك المساعي، ما استوقف انتباهي حقاً هو أن السير مجدي يعقوب له 276 بحث منشور في كبريات الدوريات العلمية بالعالم، و تعتبر أبحاثه دررًا فريدة و كنوزا ثمينة في عالم جراحات القلب.

سؤالي الذي نبع من طبيعة عملي كان: هل لدى أي من الذين وقفوا ضد هذا المستشفى، أي قدر ضئيل من الإسهام و لو بسطر واحد في بحث واحد أيا كان مستواه العلمي في دورية واحدة أيا كانت؟هل هكذا تعامل مصر أبناءها البررة الذين أصبحوا ملء السمع والبصر فى كل العالم ولكنهم علدوا فقط من أجل خدمة فقراء وطنهم ومرضاه؟؟؟
حتى الخطاب الدينى الذى كان دائما مفتاحا لحب الوطن والذوبان فيه أصبح يزيد غربتى، إن جل ما يتشدق به شيوخ الوهابية في مصر هو تكفير "الآخر" المختلف معهم في الفكر، المذهب أو الدين.

ما النفع الذي قدمه هؤلاء للبشرية؟ هل الخوض في أعراض معارضيهم هو سبيلهم لتقدم الأمة؟ هل اختزالهم للإسلام في رؤاهم الشخصية و المتاجرة باسم الدين للهيمنة على عقول البسطاء هو ما سيقفز بنا لمصاف الدول العظمى؟ هل "تطفيش" المسيحيين بدعوى أنهم يستطيعون الهجرة لأمريكا و كندا، كما قال أحد شيوخهم، سيحقق لنا النهضة؟ على متن الطائرة التي استقلها، كنت أقرأ كتابا عن الحضارة الإنسانية يستعرض خلاله الكاتب عظمة المصريين في بناء الأهرامات و يتحدث عن العرق و الدموع و الدماء، حسب نص الكتاب، المبذولة لإنجاز هذا المشروع الضخم. أليست هذه هي الحضارة الفرعونية التي وصفها أحدهم، من ذوي العقول الصدئة، بأنها "حضارة عفنة"؟
أما الخطاب الديني المسيحي، فليس أفضل حالا.

فهو يتميز إما بالسلبية في معظمه أو بالتعصب، إلا فيما ندر. و عظات أحد الأساقفة المعروفين الذي يتفنن في خلق الصدام (إن جاز أن يطلق عليها عظات من الأساس) خير مثال.

و قبل أن يشرع مفتشو النوايا في سن رماحهم لسبي و تفكيري، أنا أعلم علم اليقين وجود رجال دين معتدلين من الطرفين، و إن كنت لا أعتقد أن لهم اليد العليا في التأثير على الخطاب الديني شكلا و مضمونا.

علمونا منذ نعومة الأظافر، أن مجد الأمم يقاس بمبلغ العلم و الأخلاق بها.

فليحدثنا إذن من هم على رأس الجهاز التنفيذي للدولة عن الميزانية المرصودة للبحث العلمي و أوجه صرفها. فليعلن لنا وزير التعليم العالي عن خطته لتطوير التعليم الجامعي، وليكلمنا وزير الصحة الهمام عما يستطيع أن يقدمه للنهوض بمستوى الرعاية الصحية بمصر، بدلا من تصريحاته الجوفاء و صوته العالي الذي سمعته في تسجيل له و هو يجيب على أسئلة أحد الصحفيين
أتحفنا خيرت الشاطر منذ عدة أيام بتصريحه الأخير عن خدعة "مشروع النهضة".

و السؤال هنا: ما هي النهضة؟ إن مفتاح النهضة هو العلم و ليس الجعجعة الفارغة. رقي الشعوب يقاس بالأخلاق و ليس التدين الظاهري، فالدين المعاملة، و الله أعلم بالضمير و نوايا القلوب. أعلم أنني لا يجب أن أقسو كثيرا على الإدارة الحالية للدولة المصرية، و لا ينبغي أن أحكم على تجربة الإخوان في الحكم حتى نتبين ثمارها، و نقرر إذا ما كانت شهية أم فاسدة. لكن من و جهة نظري الشخصية، لا أرى بداية الطريق مبشرة.


أبذل مجهودا كبيرا حتى أتمكن من الانتهاء من بحثي. ورقة بحثية واحدة تتطلب شهورا بل أحيانا سنين للانتهاء منها و نشرها. أعاني من آثار التعليم الجامعي المصري العقيم الذي كبل أي طاقة إبداعية داخل خلايا مخي. أقارن بين تواضع أساتذتي الأمريكان و عشقهم للعمل الدؤوب و استيقاظهم المبكر ليبدؤوا عملهم في السادسة فجرا وبين أساتذتي في مصر الذين لم أتعلم منهم الكثير و إن كان بعضهم على قدر عال من الأخلاق و العلم و الاتضاع، و هؤلاء أثروا في كثيرا. أتذكر رسائل الماجستير و الدكتوراه "الورقية" لزملائي الأكبر سنا. غربتي تزداد. من حين لآخر، يحدثني أستاذي عن مصر، أتجنب الحديث.

لست جاحدا أفضال مصر علي. أنا أعشق مصر، فلا شيء يضارع دفء مدنها. و لكنها تتغير بسرعة، ليست مصر التي عهدتها صبيا. أسترسل في ذكرياتي في شوارعها و أبكي. هل ستعود "مصري" أنا؟ لو كانت لدي فرصة حقيقية تضمن لي مستقبلا علميا و مهنيا واعدا (بمقاييس العالم المتحضر) لما كنت غادرت. فالحياة في أمريكا قاسية، و الولايات المتحدة ليست، كما يتخيل البعض، جنة الله على الأرض

منذ ما يربو على شهر تقريبا، هاجرت أسرتي - و أنا معها - إلى كندا و لكن كان ينبغي علي العودة للولايات المتحدة لمواصلة بحثي. عند عبور الحدود في المطار، وَجَدَت الضابطة الأمريكية أمامها جواز سفر مصري مرفق به ما يثبت هجرة حامله إلى كندا، و مطبوع عليه تأشيرة للعمل و الإقامة بأمريكا، فسألتني: أين وطنك؟
أنهي كتابة خواطري الآن و أنا أعبر الحدود في الاتجاه المعاكس ذاهبا إلى كندا. أشعر بالهم ينزاح عن قلبي بعد أن كتبت هذه السطور، و لكن غربتي ازدادت جداً.

أفكر في مصر التي في خاطري، مصر التي كانت، و اسأل نفسي: أين وطني؟

هنا انتهت خواطر رامى،وأترك لك مطلق الحرية فى التعليق عليها،أما تعليقى أنا فسأكتبه فى نفس هذا المكان بعد أسبوع إن شاء الله.
عاشت مصر وتحيا الثورة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.