عاجل- مجلس الوزراء يوافق على تخصيص قطع أراضٍ للبيع بالدولار لشركات محلية وأجنبية    تعرف على سعر الدولار مقابل الجنيه فى البنوك    محافظ الدقهلية: دراسة تطوير منزل أم كلثوم بمسقط رأسها    ذات يوم 31 ديسمبر 1915.. السلطان حسين كامل يستقبل الطالب طه حسين.. اتهامات لخطيب الجمعة بالكفر لإساءة استخدامه سورة "عبس وتولى" نفاقا للسلطان الذى قابل "الأعمى"    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : وأصلح ولاتتبع سبيل المفسدين 000؟!    ترامب يمنح نتنياهو دفعة سياسية قوية ويعيده إلى إسرائيل بصفة "رئيس وزراء زمن الحرب"    مستشار من أصل سوري وقَسَم على القرآن… عمدة نيويورك المنتخب يفتتح عهده بقرارات مثيرة للجدل    وكيل التعليم بالدقهلية يتفقد انتظام امتحان مادة البرمجة والذكاء الاصطناعي    ننشر آخر تطورات سعر الذهب اليوم الأربعاء 31 ديسمبر .. عيار 24 ب6668 جنيها    محمود عباس: الدولة الفلسطينية المستقلة حقيقة حتمية وغزة ستعود إلى حضن الشرعية الوطنية    تصعيد إسرائيلي شمال غزة يدفع العائلات الفلسطينية للنزوح من الحي الشعبي    العابدي: أتحدث اللهجة المصرية بسبب عبد المنعم.. وافتقدنا المتعة أمام تنزانيا    بيراميدز بطل إفريقي فوق العادة في 2025    محامية المتهم في قضية أطفال اللبيني: اعتراف موكلي غير منطقي والعقار المستخدم مهدئ وليس سامًا    القبض على شبكة تروج للفجوروالأعمال المنافية للآداب    مجلس الوزراء: تراجع ديون شركات النفط الدولية تدريجيا 2025 بفضل الخطة المالية    جامعة المنوفية تناقش رسالة ماجستير مقدمة من الباحثة والصحفية شيماء النقباسي بقسم الإعلام    أبرز إيرادات دور العرض السينمائية أمس الثلاثاء    مدبولي يوجه بسرعة الانتهاء من الأعمال المتبقية بمشروعات «حياة كريمة»    التضامن: برنامج «تكافل وكرامة» الأكبر في المنطقة العربية للدعم النقدي المشروط    المجمع الطبي للقوات المسلحة بكوبري القبة يستضيف خبيرًا عالميًّا    طالبات "تمريض الأزهر" يصممن نموذج "طمأنينة" للكشف المبكر عن سرطان الثدي    إجازة السبت والأحد لطلاب مدارس جولة الإعادة في انتخابات النواب بأسوان    إيمري يوضح سبب عدم مصافحته أرتيتا بعد رباعية أرسنال    أمم إفريقيا - ساسي: أحترم طموح الجماهير ولكن نحتاج للواقعية.. والزمالك سيظل في قلبي    وزارة الصحة: صرف الألبان العلاجية للمصابين بأمراض التمثيل الغذائى بالمجان    اتحاد جدة ضيفًا على نيوم لفض الاشتباك بالدوري السعودي    «عزومة» صلاح تبهج بعثة منتخب مصر في المغرب    «حافظ على نفسك»    هل يوم الخميس عطلة رسمية بمناسبة السنة الميلادية؟    البترول توافق على تنفيذ مشروع تعديل مسار خط غاز طلخا    الأرصاد: طقس شديد البرودة صباحًا ومائل للدفء نهارًا    رابط التقديم للطلاب في المدارس المصرية اليابانية للعام الدراسي 2026/2027.. يبدأ غدا    ضبط 150 كيلو لحوم وأحشاء غير صالحة للاستهلاك الآدمي ببنها    الداخلية تضبط قائدى دراجتين ناريتين بدون لوحات بعد استعراض خطير بدمياط    إصابة 10 أشخاص فى حادث انقلاب أتوبيس بمحور الأوتوستراد    خطوات صارمة من التعليم للحد من الغش في الامتحانات (إنفوجراف)    إسرائيل تصطاد في "الماء العكر".. هجوم رقمي يستهدف السعودية بعد أزمة الإمارات بين لجان "الانتقالي" و"تل أبيب"    كييف تعلن إسقاط 101 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    نور النبوى ضيف برنامج فضفضت أوى مع معتز التونى على Watch it اليوم    برلمانى: قرار المتحدة للإعلام خطوة شجاعة تضع حدا لفوضى التريند    الإثنين.. مؤتمر صحفي للكشف عن تفاصيل مهرجان المسرح العربي    المركز القومي للمسرح يطلق مبادرة.. 2026 عام الاحتفال بالفنانين المعاصرين    إوعى تقول: مابصدقش الأبراج؟!    الدفاع عن الوطن.. مسئولية وشرف    الرقابة المالية تقر تجديد وقيد 4 وكلاء مؤسسين بالأنشطة المالية غير المصرفية    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 31ديسمبر 2025 فى المنيا    «حصاد التموين 2025»| الكارت الموحد وميكنة متابعة السلع ومراقبة الأسواق    محافظ الجيزة يهنئ الرئيس السيسي بحلول العام الميلادي الجديد    محافظ أسيوط: عام 2025 شهد تقديم أكثر من 14 مليون خدمة طبية للمواطنين بالمحافظة    "هتعمل إيه في رأس السنة"؟.. هادعي ربنا يجيب العواقب سليمة ويرضي كل انسان بمعيشته    طبيبة تحسم الجدل| هل تناول الكبدة والقوانص مضر ويعرضك للسموم؟    محمد جمال وكيلاً لوزارة الصحة ومحمد زين مستشارا للمحافظ للشؤون الصحية    إدارة ترامب تعلن تجميد تمويل رعاية الأطفال لولاية مينيسوتا بسبب قضايا احتيال    «مسار سلام» يجمع شباب المحافظات لنشر ثقافة السلام المجتمعي    توتر متصاعد في البحر الأسود بعد هجوم مسيّرات على ميناء توابسه    المحامى محمد رشوان: هناك بصيص أمل فى قضية رمضان صبحى    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.محمد جمال يكتب:الغربة1
نشر في الدستور الأصلي يوم 08 - 09 - 2012

أعرف أن كثيرين تمنوا أو توقعوا أن يكون هذا المقال بعنوان (وزير على نفسك 2) بعد الضجة الكبيرة التى أحدثها المقال السابق سواء على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى أو على شاشات التلفزيون،ولكننى فى الواقع لست من هواة استنساخ تجربة ما بغرض تكرار نجاحها،يمكنك طبعا أن تعتبرنى غبيا من الناحية الإعلامية،ولكن هذا مبدأى..كتبت المقال من جزء واحد وسيبقى واحدا حتى لو أثار موضوعه ضجة غير مسبوقة.

وبينما أنا أقيّم التجربة كلها وأرصد ردود الأفعال عليها وأسطر ملاحظاتى بخصوصها جاءتنى تلك المكالمة من رقم لم يظهر على شاشة هاتفى المحمول،لمست الشاشة لأستمع إلى صوت مألوف يقول بطريقته السريعة فى الحديث "آلو..محمد...أنا رامى عادل"

رامى عادل كمال..صديقى الذى سافر ونحن فى سنة الامتياز إلى أمريكا ولم يعد إلى مصر بعدها إلا مرة واحدة فقط ،رامى أخبرنى أن مقالى السابق أثّر فيه لدرجة جعلته لا يكتفى فقط بترشيحه لآخرين كى يقرؤوه وإنما أخذ يقرأه هو لهم بصوته "كأنى كده هوصلهم المعنى وأخليهم يفهموا أكتر" هكذا أخبرنى.

بعدها أخبرنى أن هذا المقال حرّضه على كتابة خواطره على ظهر تذكرة السفر وعلى ارتفاع آلاف الأقدام من الأرض وسألنى إذا ما كان فى استطاعتى أن أنشرها،استمعت إلى جزء منها واتفقنا على أن ينتهى منها فى أسرع وقت،ودارت بيننا بعدها العديد من المكالمات التليفونية ورسائل الموبايل والبريد الإلكترونى حتى وصلنا إلى الصورة التى ستقرأها.

مصر التي...
شيء ما يجثم على صدري، أعيش حالة من الحنين. تتدافع الأفكار في رأسي دون رابط محدد، أحاول يائسا أن أنحيها جانبا أو أطردها فلا أستطيع. لم أهدأ إلا حينما أمسكت قلما و شرعت أسطر هذه الخواطر و أنا على متن طائرة تفصلني مئات الأميال عن الأرض، لعلي أستريح

أنا مشتاق لمصر. نعم! أنا مغترب. المشكلة ليست في غربتي الجسدية عن "الأراضي المصرية" بل في غربتي الداخلية: غربة النفس. أبحث عن "مصر" فلا أجدها منذ أسابيع، كتبت على صفحتي الشخصية بأحد مواقع التواصل الإجتماعي، على خلفية أحداث دهشور الأخيرة و قصص التحرش الجنسي المنتشر هذه الأيام انتشار النار في الهشيم: "مصر الآن أصبحت دولة رخوة ذات خواء مؤسسي غير قادرة على حماية مواطنيها. هذا إن جاز لنا أن نطلق عليها دولة من الأساس. فهي على أفضل الأحوال مجرد تكتلات عشائرية من بشر يتبارى معظمهم في الجهل و التعصب و الحمق."

لست في العادة سوداويا لهذه الدرجة، و أعلم أن مصر بها عقول و قلوب من ذهب. ربما أكون قد بالغت و لكنني كنت محبطا و غاضبا. أعلم أن مصر لم تضح على هذه الشاكلة بين عشية و ضحاها، فهناك مقدمات كثيرة و بينة للقاصي و الداني أفضت إلى ما نحن فيه اليوم. و لكن حيث أننا وصلنا للدرك الأسفل، أعتقد أن المكاشفة أضحت لزاما علينا، بعيدا عن نظريات المؤامرة التي برعنا فيها بشكل يفوق الوصف، فلا أعتقد أن أطنان الرمال التي دفننا رأسنا تحتها سوف تغير من الواقع شيئا. يجب أن نفيق من سكرتنا قبل أن نصل إلى نقطة اللا عودة.

"ارفع راسك انت مصري..." سرت القشعريرة في بدني و أنا استمع إلى حمزة نمرة يصدح بهذه الأغنية الرائعة الخارجة من سماعات سيارتي و أنا أجوب شوارع وسط البلد في الأشهر التي تلت الثورة مباشرة. أشعر بالنشوة و الفخر. أفتح نوافذ السيارة و فتحة السقف و أنا أزيد من علو الصوت حتى يشاركني العالم كله استمتاعي بالأغنية.

عاد إلي وقتها شعور لم يخالجني سوى من ثمان سنوات قبل الثورة، في السابعة عشر من عمري، حين سافرت إلى مدينة "ليون" الفرنسية لدراسة الطب سنة 2003. كان لدي اعتقاد راسخ بأن مصر دولة حيوية تلعب دور البطولة في المنطقة و أنها محط أنظار العالم كله. كنت فخورا جداً بكل ما هو مصري و بكوني مصريا. في أحد الأيام، جاءني زميلي الفرنسي في السكن و أنا أذاكر، و وضع أمامي على الطاولة مجلة فرنسية معنية بالشئون السياسية، مبتسما في خبث.


استرعى انتباهي للوهلة الأولى صورة الغلاف للأهرامات. لكن ما شدني كان عنوان ملف العدد: "مصر.. الحقيقة المغايرة وراء المنظر الجميل". لم تكن ثورة المواقع الإجتماعية قد بزغت حينئذ، ولم أكن آنذاك معتادا علي تصفح المواقع الإلكترونية لكبريات الصحف العالمية و كانت هذه هي المرة الأولى التي أتعرض فيها لإعلام "مختلف". كان العدد عبارة عن سلسلة من المقالات تتحدث عن تردي الأوضاع في مصر في مختلف المجالات. كانت المرة الأولى التي أقرأ فيها أن الرئيس المصري في أفضل أحواله "قليل الديموقراطية"، و كيف أن دورنا الإقليمي قد تقزم وأن صناعة السينما عندنا تدهورت.

لست بالطبع ساذجا لدرجة أن تغير مجموعة من المقالات وجهة نظري في بلدي و فخري بها، فلست موهوما بالغرب و أعلم أن الإعلام الغربي قد يكون منحازا. ولكن بالرغم من ذلك، كان أدق ما يعبر عن شعوري وقتها هو المشهد الذي يكتشف فيه بطل فيلم "ماتريكس" الشهير، أن العالم الذي يعيش فيه و يعتبره واقعا ملموسا ما هو إلا دنيا افتراضية يحيا حبيسا داخل وهمها. أحقا ينظر إلينا العالم هذه النظرة؟ أليست هذه هي الصحف العالمية التي، طبقا لإعلامنا الرسمي، تشيد بحكمة الرئيس مبارك؟

عدت بعد سنة لأكمل دراستي في كلية الطب بمصر و كانت المرة الأولى التي أحتك فيها بالتعليم الحكومي. لكن الأهم من ذلك، أنه خلال سنوات دراستي بالكلية، أصبحت أكثر وعيا. بدأ أهلي في شراء صحف المعارضة، و أصبحت أقرأ الصحف العالمية بانتظام، و تعرفت على منظومة "العهر الإعلامي" التي كان يمارسها الإعلام الرسمي إبان العهد المباركي. أصبحت، و للمرة الأولى في حياتي، أفكر جديا في الهجرة بسبب فساد التعليم الجامعي و منظومة الرعاية الصحية عامة. و بدأت أولى بوادر "غربتي الداخلية" في الظهور.


أثناء سنة الامتياز التي رافقت أحداث الثورة، سافرت إلى الولايات المتحدة للتدريب بأحد مستشفيات جامعة هارفارد و التي ينظر لأساتذتها على أنهم صفوة المجتمع العلمي و نخبة المفكرين في العالم.

أثناء وقوفي داخل غرفة العمليات مع رئيس القسم، سألني عن مصر و الثورة و أدهشني ما رأيته من ثقافته الجمة و اطلاعه الواسع الذي لا يقتصر على الطب فقط. أردت التفاخر أمامه ببلدي فلم أجد سوى التاريخ. حدثته عن نبوغ المصريين القدماء في الجراحة و كيف أنهم أول من أجروا عملية لعلاج المياه البيضاء بعدسة العين. نظر إلي و سألني من خلف قناعه الجراحي:"عظيم جداً! أين أنتم الآن؟" قلت له إننا نستطيع أن نبدع إذا ما أوتينا الفرصة و كيف أن هناك قامات علمية عظيمة أمثال زويل و مجدي يعقوب استطاعت النبوغ و التفوق. قال لي:"دعني إذا أرى كيف يستطيع المصريون إثبات أنفسهم.


أنا أصلًا من السويد، لكن الولايات المتحدة بلد الفرص، يترقى فيها الأفراد بقدر اجتهادهم و علمهم. السماوات المفتوحة هي حدودك." بعدها بعدة أيام، عرض علي وظيفة باحث بقسم الجراحة تحت إشرافه، ليبدأ فصل جديد من حياتي لا أعلم فيه شيئًا عن مصر سوى من خلال الفضاء الإلكتروني و المحادثات التليفونية مع أهلي و أصدقائي، لتزداد غربتي أكثر.
هالني خبر طالعته منذ شهرين مفاده أن هناك محاولات لوقف مستشفى مجدي يعقوب للقلب بأسوان. و بصرف النظر عن نجاح تلك المساعي، ما استوقف انتباهي حقاً هو أن السير مجدي يعقوب له 276 بحث منشور في كبريات الدوريات العلمية بالعالم، و تعتبر أبحاثه دررًا فريدة و كنوزا ثمينة في عالم جراحات القلب.

سؤالي الذي نبع من طبيعة عملي كان: هل لدى أي من الذين وقفوا ضد هذا المستشفى، أي قدر ضئيل من الإسهام و لو بسطر واحد في بحث واحد أيا كان مستواه العلمي في دورية واحدة أيا كانت؟هل هكذا تعامل مصر أبناءها البررة الذين أصبحوا ملء السمع والبصر فى كل العالم ولكنهم علدوا فقط من أجل خدمة فقراء وطنهم ومرضاه؟؟؟
حتى الخطاب الدينى الذى كان دائما مفتاحا لحب الوطن والذوبان فيه أصبح يزيد غربتى، إن جل ما يتشدق به شيوخ الوهابية في مصر هو تكفير "الآخر" المختلف معهم في الفكر، المذهب أو الدين.

ما النفع الذي قدمه هؤلاء للبشرية؟ هل الخوض في أعراض معارضيهم هو سبيلهم لتقدم الأمة؟ هل اختزالهم للإسلام في رؤاهم الشخصية و المتاجرة باسم الدين للهيمنة على عقول البسطاء هو ما سيقفز بنا لمصاف الدول العظمى؟ هل "تطفيش" المسيحيين بدعوى أنهم يستطيعون الهجرة لأمريكا و كندا، كما قال أحد شيوخهم، سيحقق لنا النهضة؟ على متن الطائرة التي استقلها، كنت أقرأ كتابا عن الحضارة الإنسانية يستعرض خلاله الكاتب عظمة المصريين في بناء الأهرامات و يتحدث عن العرق و الدموع و الدماء، حسب نص الكتاب، المبذولة لإنجاز هذا المشروع الضخم. أليست هذه هي الحضارة الفرعونية التي وصفها أحدهم، من ذوي العقول الصدئة، بأنها "حضارة عفنة"؟
أما الخطاب الديني المسيحي، فليس أفضل حالا.

فهو يتميز إما بالسلبية في معظمه أو بالتعصب، إلا فيما ندر. و عظات أحد الأساقفة المعروفين الذي يتفنن في خلق الصدام (إن جاز أن يطلق عليها عظات من الأساس) خير مثال.

و قبل أن يشرع مفتشو النوايا في سن رماحهم لسبي و تفكيري، أنا أعلم علم اليقين وجود رجال دين معتدلين من الطرفين، و إن كنت لا أعتقد أن لهم اليد العليا في التأثير على الخطاب الديني شكلا و مضمونا.

علمونا منذ نعومة الأظافر، أن مجد الأمم يقاس بمبلغ العلم و الأخلاق بها.

فليحدثنا إذن من هم على رأس الجهاز التنفيذي للدولة عن الميزانية المرصودة للبحث العلمي و أوجه صرفها. فليعلن لنا وزير التعليم العالي عن خطته لتطوير التعليم الجامعي، وليكلمنا وزير الصحة الهمام عما يستطيع أن يقدمه للنهوض بمستوى الرعاية الصحية بمصر، بدلا من تصريحاته الجوفاء و صوته العالي الذي سمعته في تسجيل له و هو يجيب على أسئلة أحد الصحفيين
أتحفنا خيرت الشاطر منذ عدة أيام بتصريحه الأخير عن خدعة "مشروع النهضة".

و السؤال هنا: ما هي النهضة؟ إن مفتاح النهضة هو العلم و ليس الجعجعة الفارغة. رقي الشعوب يقاس بالأخلاق و ليس التدين الظاهري، فالدين المعاملة، و الله أعلم بالضمير و نوايا القلوب. أعلم أنني لا يجب أن أقسو كثيرا على الإدارة الحالية للدولة المصرية، و لا ينبغي أن أحكم على تجربة الإخوان في الحكم حتى نتبين ثمارها، و نقرر إذا ما كانت شهية أم فاسدة. لكن من و جهة نظري الشخصية، لا أرى بداية الطريق مبشرة.


أبذل مجهودا كبيرا حتى أتمكن من الانتهاء من بحثي. ورقة بحثية واحدة تتطلب شهورا بل أحيانا سنين للانتهاء منها و نشرها. أعاني من آثار التعليم الجامعي المصري العقيم الذي كبل أي طاقة إبداعية داخل خلايا مخي. أقارن بين تواضع أساتذتي الأمريكان و عشقهم للعمل الدؤوب و استيقاظهم المبكر ليبدؤوا عملهم في السادسة فجرا وبين أساتذتي في مصر الذين لم أتعلم منهم الكثير و إن كان بعضهم على قدر عال من الأخلاق و العلم و الاتضاع، و هؤلاء أثروا في كثيرا. أتذكر رسائل الماجستير و الدكتوراه "الورقية" لزملائي الأكبر سنا. غربتي تزداد. من حين لآخر، يحدثني أستاذي عن مصر، أتجنب الحديث.

لست جاحدا أفضال مصر علي. أنا أعشق مصر، فلا شيء يضارع دفء مدنها. و لكنها تتغير بسرعة، ليست مصر التي عهدتها صبيا. أسترسل في ذكرياتي في شوارعها و أبكي. هل ستعود "مصري" أنا؟ لو كانت لدي فرصة حقيقية تضمن لي مستقبلا علميا و مهنيا واعدا (بمقاييس العالم المتحضر) لما كنت غادرت. فالحياة في أمريكا قاسية، و الولايات المتحدة ليست، كما يتخيل البعض، جنة الله على الأرض

منذ ما يربو على شهر تقريبا، هاجرت أسرتي - و أنا معها - إلى كندا و لكن كان ينبغي علي العودة للولايات المتحدة لمواصلة بحثي. عند عبور الحدود في المطار، وَجَدَت الضابطة الأمريكية أمامها جواز سفر مصري مرفق به ما يثبت هجرة حامله إلى كندا، و مطبوع عليه تأشيرة للعمل و الإقامة بأمريكا، فسألتني: أين وطنك؟
أنهي كتابة خواطري الآن و أنا أعبر الحدود في الاتجاه المعاكس ذاهبا إلى كندا. أشعر بالهم ينزاح عن قلبي بعد أن كتبت هذه السطور، و لكن غربتي ازدادت جداً.

أفكر في مصر التي في خاطري، مصر التي كانت، و اسأل نفسي: أين وطني؟

هنا انتهت خواطر رامى،وأترك لك مطلق الحرية فى التعليق عليها،أما تعليقى أنا فسأكتبه فى نفس هذا المكان بعد أسبوع إن شاء الله.
عاشت مصر وتحيا الثورة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.