بقراءة الصفحات الأولي من تلك الرواية صغيرة الحجم ذات الغلاف المميز للفنان عبد الله-, والمعنونة' عن الذي يربي حجرا في بيته' للكاتب الجنوبي' الطاهر شرقاوي', ستجد نفسك مأخوذا بعالم التفاصيل الصغيرة غير المألوفة لذلك الرجل, ما بين مكالمة تليفونية من امرأة الراوي' سيرين' لن تتأكد كقارئ من واقعيتها, وقطرات مياه الصنبور, وقطرات عرق الكاتب نفسه, وكوب النسكافيه الذي لا تدري هل تذكر الراوي فقام لإعداده أم نسيه كما هو الحال في كل مرة. ببساطة, هذا نص لا يصلح إلا للقراءة, تستمتع به دون أن تغرق في مؤامرة تخمين المخرج القادر علي تحويله إلي فيلم, لقد تخلص الكاتب من هذا الحلم الذي يراود البعض واستجاب لغواية كتابة رائقة لنص روائي جاد لا يتيح لك خلاصا إلا بالانتهاء من قراءته. الكاتب هنا لا تهمه القضايا الكبري ولا السياسة ولا التاريخ, إنه هنا يكتب سيرة راو غارق كغيره في عالمه ومخاوفه وأمكنته وهواجسه التي كانت سببا في أنسنته للأشياء كالحجر- الذي التقطه الراوي ليؤنس وحدته مقسما أنه سمعه' يبسبس' له في إحدي المرات- والجوامد كمقعد الحديقة الوحيد, والأعمال الكاملة لأمل دنقل, والسرير الذي تحول إلي تابوت والشقة التي تحولت إلي مقبرة تركض علي حوائطها قطط مرسومة- متخذا منهم أصدقاء ورفاق لعب ربما للنجاة من البشر المعنونين جميعا' س' دلالة تشابههم واختلافهم عن آخرين هم مصاصو دماء كما يصفهم النص, هؤلاء القادرون علي امتصاص رحيق يومك واستنفاد طاقتك تاركين لك التعب وكثيرا من الشجن وغصة في الحلق. والرواية المشار إليها عاليه هي الإصدار السادس لكاتبها' الطاهر شرقاوي', الذي أفرد له موقع الكتابة الجديدة ملفا في نهاية فبراير الماضي للاحتفاء بروايته متواضعة الحجم الصادرة عن الكتب خان, والحاصلة علي جائزة أفضل رواية في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الرابعة والأربعين(2013), تلك الرواية التي لن تمنحك إلا عالما تصنعه التفاصيل الصغيرة المثيرة للدهشة والتي ستجدها بالتوازي عند شعراء قصيدة النثر, أمثال: إيمان مرسال وإبراهيم داود وغيرهما ممن أعيتهم القضايا الكبري فاختاروا الانتماء لتفاصيل ذواتهم موقنين أنها كل ما يمتلكونه في ظل تهاوي الأقنعة والأيديولوجيات, وهو ما دفعهم إلي الانزواء بعيدا لمتابعة العالم بينما يكتبون أعمالهم كاشفين عن ذواتهم الشفيفة في انفصال جزئي عن الزمان والمكان والبشر حيث عوالم النفس وأسرارها مبتغي الكتابة.