"سمكة في الجدار وباخرة في طريقها للحجاز، بينما هدهد جاف يتدلي مشنوقا من الباب فوقه يبرك جمل يراقب المارة. سأضع سريري في المقابل منتظرا صافرة طويلة تتبعها رفرفة جناحين في الهواء" عبارات من عالم الروائي والقاص الطاهر شرقاوي، تشي بعالم من التفاصيل الصغيرة بحميميتها أحيانا، وغرابتها أحيانا أخري، فإن كانت تلك البنت ذات القدم الصغيرة هي التي جمعت تفاصيل روايته "فانيليا"، فقصص مجموعته "عجائز قاعدون علي الدكك" الصادرة حديثا عن دار نهضة مصر لا تفلت هذا الملمح من التفاصيل الجاذبة، كأنه الراوي يجلس علي دكة العجائز متأملا، أو يضع سريره قرب حائط من الفسيفساء، تلتقط عيناه منمنماتها. ويبدو عنوان المجموعة ذاته هو الرابط بين تفاصيلها، خاصة أنه ليس عنوانا لأحد النصوص، بل يتكرر كعبارة دالة علي حالة من العجز أو الفقد أو الانكسار أو انتظار الموت في متن أكثر من نص.. تسعة وعشرون نصا رائقا ومميزا تأخذنا بلغة بسيطة تعكس عمقا، تحمل مفردات فصحي شائعة في العامية أيضا، وشاعرية أحيانا تنطلق بما هو ذاتي، لغة تحمل صوت كاتبها الخاص.. تقترب بعض النصوص من عالم الحكايات الشعبية كما نجد في نص (الجنيات) ولا تخرج عن نسيج الحياة في القرية المسيطر علي أغلب النصوص، تختلط ملامح القرية مع ما هو ذاتي، نصوص تستعيد تفاصيل ولقطات من الطفولة، وتستدعي شخصيات تشبه الراوي كما في نص (مشوار كل يوم)، بينما العجز والموت تيمات أساسية تربط النصوص التي تدور في القرية بتلك التي لا يشغلها المكان ونجد ذلك في نصوص مثل (أموت هذا المساء)، نصوص أخري تختلف عنها في إعلان الراوي التمرد علي من لا يتقبله كما هو مثل (نحافة) وتجمع كل النصوص زاوية الرؤية المعتمدة علي ما هو إنساني من خلال شخصيات قد تبدو متكررة مثل المجنونة في (هي دائما هكذا) لكنها عند الطاهر لها ملامح مختلفة، مثل هذا الفتي في قصة (الشرير) الذي يمارس "نوع جديد من الشر".