بقدر ما كانت عملية ماراثون بوسطن صادمة لإدارة الرئيس باراك أوباما, بقدر ما حققت العملية الأمنية لمطاردة أحد منفذي التفجير نجاحا عن درجة يقظة الأجهزة المعنية في تعقب الجرائم الإرهابية. حتي قيل أن واشنطن قامت باختبار سيناريو التعامل مع أسلحة الدمار الشامل في عملية تعقب الشاب الشيشاني حتي تم القبض عليه, تشكل عملية بوسطن, في المقابل, تعرية لكثير من المشكلات التي تعتري العلاقة بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامي وهي العلاقة التي إضيف إليها في العامين الماضيين وصول حكومات بمرجعيات إسلامية في مصر وتونس وشراكة في السلطة لجماعات إسلامية في ليبيا وخوض إسلاميين حربا ضد السلطة في سوريا واليمن. البداية الجديدة للعلاقات بين أمريكا والعالم الإسلامي التي بشر بها الرئيس باراك أوباما في خطاب القاهرة عام2009 ضلت طريقها لأسباب عديدة وأصطدمت بعقبات عدة منها: غياب الوضوح عن السياسة الأمريكية تجاه العالم الإسلامي وقضاياه في العقد الأخير ومواصلة أوباما لنهج جورج دبليو بوش في تغليب القوة المفرطة ضد أهداف في العالم الإسلامي في أفغانستان وباكستان واليمن في ظل مساندة مستمرة لحكومات ضعيفة ومنقسمة, والإنجاز الأهم للرئيس الأمريكي الحالي هو التوسع في الضربات الجوية ضد القاعدة وفروعها في عدد من الدول منها اليمن وأفغانستان والقرن الأفريقي والتي تخلف خسائر بشرية يومية وتزيد من إتساع رقعة العنف المضاد رغم التصريحات الأمريكية المتجددة عن فاعلية تلك الضربات في الحد من القاعدة وفروعها. عدم بلورة الإدارة الأمريكية لإستراتيجية واضحة بشأن مساندة التحولات وعملية التغيير في دول إسلامية فقيرة, منها دول اسيا الوسطي والقوقاز, تعاني من الفقر والصراعات السياسية المزمنة وإستمرار اللعب بقواعد الحرب الباردة في مواجهة الروس في تلك المناطق وصناعة نخب موالية فاسدة نكاية في موسكو التي تدير تقمع نزعات إنفصالية في حدود الدولة الروسية وتنشب بمخالبها في دول حصلت علي الإستقلال بعد تفكك الدولة السوفيتية قبل أكثر من عشرين عاما. الدبلوماسية العامة الأمريكية تواصل السقوط في مواجهة الخطاب الدعائي للجماعات الجهادية في سائر أنحاء العالم الإسلامي لغياب السياسات الداعمة من البيت الأبيض أو الكونجرس رغم درس11 سبتمبر وتغليب النزعة النفعية في تلك السياسة التي جعلت الولاياتالمتحدة أكثر تورطا في شئون العالمين العربي والإسلامي بعد غزو أفغانستان والعراق. تركيز الجماعات الجهادية علي نشر الفكرة بين المهاجرين الجدد أو الشباب المحبط من السياسة الأمريكية في الغرب عوضا عن المخاطرة بالتجنيد المباشر للقيام بعمليات إرهابية في ظل إجراءات أمنية مشددة. جرأة التنظيمات المتشددة في مناصبة الولاياتالمتحدة العداء بعد موجة الإحتجاجات الشعبية في قلب العالم العربي التي أسفرت عن سقوط حلفاء قدامي لواشنطن خاصة بعد أن أدركت تلك التنظيمات أن الولاياتالمتحدة تقوم بإنتقاء حلفاء لها من الجماعات التي يطلق عليها الغرب معتدلة لمواجهة التيارات الراديكالية في العالم الإسلامي, بمعني أن القاعدة اليوم تري أن التقارب بين الولاياتالمتحدة وجماعة الإخوان المسلمين في مصر وعدد أخر من الدول العربية يصب في غير صالحها ولكنه يوفر غطاء لانتشار أفكارها عن طريق تسامح الحكومات الجديدة مع التيارات الجهادية التي لجأت إلي العنف في الماضي وتسعي اليوم للعب دور أكبر في المناخ الديمقراطي الجديد. في المقابل, تشير تجربة ما سمي ب الربيع الديمقراطي العربي إلي أن الولاياتالمتحدة مازالت تبحث عن حلفاء من المعسكرات التقليدية في العالمين العربي والإسلامي لعدم ثقتها, تاريخيا, في القوي التقدمية وهو ما يخلق إشكالية عبرت عنها صحيفة واشنطن بوست مؤخرا في مقال إفتتاحي يدعو الولاياتالمتحدة إلي مناصرة الحريات والحقوق الأساسية والديمقراطية دون إعتبارات المصالح الضيقة. فشل السياسة الأمريكية في رسم السياسة الجديدة أدي إلي إتساع مفهوم الشرق الأوسط بالمعني السياسي وليس بالمعني الجغرافي حيث باتت القلاقل والإضطرابات المرتبطة بجوهر الصدام بين الولاياتالمتحدة وتنظيم القاعدة قابلة للتصدير إلي أقاليم أخري خارج الحدود التقليدية للصراع ومنها ما نراه من إتساع الصدام مع القاعدة في مالي والنيجر وغرب أفريقيا وظهوره في سوريا وليبيا ونشاط التنظيمات المرتبطة بها في منطقة القوقاز. في ظل تداعيات حادثة بوسطن يمكن توقع تغيرات في السياسة الأمريكية في ضوء النقاشات الداخلية التي ستجري داخل الإدارة والكونجرس والأجهزة الإستخبارية والمؤسسة العسكرية: تقوية العلاقات بين الولاياتالمتحدة وروسيا بشأن التقارب في الحرب علي الأرهاب الدولي وزيادة التعاون الإستخباري بينهما رغم الخلافات حول مخزونات الأسلحة النووية, خاصة وأن مواجهة الشبكات الناشئة وعمليات التجنيد تحتاج إلي جهود عابرة للحدود والروس يملكون خبرات جيدة في محاربة تنظيمات جهادية معروفة. من ناحية الملفات المفتوحة في الشرق الأوسط, ربما تكون سوريا ضحية للتقارب الأمريكي الروسي) الجماعات التي تحارب ضد القوات الحكومية تمثل عنصر قلق للأمريكيين ونقل قوات عسكرية أمريكية إلي الأردن لمراقبة عمليات تهريب الأسلحة للعناصر الراديكالية في الداخل السوري يحتاج إلي تنسيق مع الروس لإحكام القبضة حتي لا يفلت السيناريو عن المرسوم له. توقع تقييم العلاقات بين الولاياتالمتحدة والحكومات الجديدة في دول الربيع العربي علي أثر غياب الخطاب المناهضة للقاعدة والتنظيمات الجهادية في تصريحات السياسيين الجدد وتصاعد الشكوك في قدرة الإسلاميين الأصدقاء أو الحلفاء الجدد في تحقيق الهدف من تطويق الجهاديين لمصلحة الولاياتالمتحدة بعد أن تحولت حكومات يقودها الإسلاميون في المنطقة إلي عبء علي الإدارة الأمريكية في ظل التعثر الإقتصادي وتراجع المشروع السياسي لتلك الحكومات مقارنة بالزخم الكبير في بداية عمليات التحول الديمقراطي وتوقع الولاياتالمتحدة أن يسود تيار الإسلام السياسي لفترة من الزمن في عدد من دول المنطقة العربية دون منافسة حقيقية من القوي الليبرالية أو المدنية. بالتالي, المتوقع هو ممارسة ضغوط أكبر علي الحكومات المتعثرة من أجل القيام بإصلاحات لا تنتقص من الحريات الأساسية وتمنح كل الأطراف الداخلية الفرصة للمشاركة في العملية السياسية). القيام بمراجعة جديدة للسياسات الأمريكية علي غرار ما حدث بعد هجمات11 سبتمبر تقوم علي بحث نتائج ما جري في العقد الماضي من مواجهات مع المتشددين في العالم العربي والإسلامي وربما عملية إصلاح جديدة للأمن الداخلي وأساليب الإستخبارات الخارجية بعد أن ثبت عدم قدرتها علي تتبع عمليات تبني الأفكار المتطرفة إلي المجتمع الأمريكي عبر الوافدين الجدد للحياة في الولاياتالمتحدة.. وطالما أن أمريكا هي بلد من المهاجرين في المقام الأول, فالحل يمكن أن يتضمن عمليات إقتفاء أثر العناصر الجديدة الوافدة إلي البلاد من خلال برامج مراقبة متنوع القدرات وهي قضايا محل جدل كبير نتيجة تخوف الاقليات العربية والإسلامية من تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا. المسار الحالي للحرب علي الإرهاب أو المواجهة مع القاعدة يرجح أن الولاياتالمتحدة سوف تنخرط في الشرق الأوسط أكثر في الفترة المقبلة من أجل درء الخطر وحماية مصالحها التقليدية ومنها أمن إسرائيل ومبيعات الأسلحة وتأمين منابع النفط وعمليات نقلها إلي العالم الخارجي وهي مهام ترفع من أسهم الولاياتالمتحدة علي الساحة العالمية وسيكون التراجع عنها حماقة كبري من وجهة نظر من يدير مقاليد الأمور في واشنطن.