منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر, حدث تغير جذري في مفهوم الحروب الأمريكية, وظهرت تحولات جديدة وهامة في بنية الجيش الأمريكي ووكالة الاستخبارات المركزية, وتبادلت وزارة الدفاع الأمريكية والوكالة الاستخباراتية الأدوار. في بيئة جديدة لم تشهدها الولاياتالمتحدة من قبل, حيث تم عسكرة الوكالة والتركيز الاستخباراتي المتزايد لقوات العمليات الخاصة التابعة للبنتاجون. علي مدار العقد الماضي لم تعد أولوية الوكالة جمع المعلومات, ولكن اصطياد الأعداء, وتمت خصخصة العمليات الاستخباراتية, واستخدمت شركات خاصة للقيام بالعمليات الاستخباراتية والعسكرية معا في صفقات سرية, وسمح لأشخاص شديدي الطموح بالحصول علي حصة كبيرة من فوائد الحرب علي الإرهاب, واستخدمت عمليات الطائرات بدون طيار تحت إشراف السي اي ايه لتصفية أعضاء قيادات القاعدة, وليس تحت إشراف البنتاجون كما هو متوقع, كل هذه التحولات يرصدها مارك مازيتي, الحائز علي جائزة بوليتزر للصحافة ومراسل الأمن القومي لصحيفة نيويورك تايمز, في كتابه الجديد: طريق السكين:السي اي ايه والجيش السري وحرب في أقاصي الأرض والذي صدر الأسبوع الماضي في الولاياتالمتحدة, وتسبب في ضجة إعلامية هائلة, بسبب ما تضمنه الكتاب من كشف لحقيقة الصفقة السرية التي عقدتها السي اي ايه مع الحكومة الباكستانية, وكشف غيرها من الأسرار حول الأدوار الجديدة السرية التي تقوم بها الوكالة الاستخباراتية حول العالم, من شن حروب من طراز جديد, وعمليات اغتيال في اليمن والصومال وعمليات تجسس داخل إيران. جاء عنوان الكتاب طريق السكين كما يوضح المؤلف للتعبير عن نوع جديد من الحروب الأمريكية, تستخدم بها السكين لقتل الأعداء, أو طائرات بدون طيار لتقليل تكلفة الحرب, وعدم تعريض أعداد كبيرة من الجنود الأمريكيين للخطر, ولكنها أيضا أداة قتل تخلق الكثير من الفوضي وتنطوي علي الكثير من الأخطاء التي قد يصعب علاجها, إضافة إلي كونها تخلق المزيد من الأعداء للولايات المتحدة بنفس القدر الذي تتخلص فيه من الأعداء, فقد تسببت غارات الطائرات دون طيار في قتل الآلاف من المدنيين الأبرياء, إضافة إلي أن عدم قيام الوكالة الاستخباراتية الأمريكية بدورها, اضر بقدرتها علي فهم وتعقب التغيرات الهامة التي حدثت في دول ما يسمي الربيع العربي, وتحولات الشرق الأوسط الجذرية, مما جعلها غير قادرة علي التعامل الناجح مع هذا الملف الملتبس, وأبرزه عدم قدرتها علي التعامل مع مصر وتونس ولبيبا ما بعد ثوراتها, وأيضا عدم قدرتها علي استيعاب دقيق لما يحدث الآن في سوريا, ويؤكد المؤلف أن إدارة اوباما غير مستعدة للتعامل مع سوريا ما بعد بشار الأسد. ويتناول الكتاب المثير للجدل, كيف تحولت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلي جيش سري, يستخدم قوات العمليات الخاصة, التي توسعت سلطاتها وتوسعت مهامها في جميع أنحاء العالم, وكيف قامت الوكالة علي مدار السنوات ال12 الماضية, بتنفيذ عمليات اغتيال وعمليات عسكرية, بجانب مهمتها الأساسية وهي القيام بعمليات تجسس, أو سرقة أسرار الدول الأخري, ويرصد المؤلف هذا التحول بعودته إلي الأول من مايو2011, عندما تحولت قيادة العملية العسكرية الأهم في البنتاجون منذ هجمات9/11 إلي مدير السي اي ايه وقتها, ليون بانيتا, وأصبح فريق العمليات البحرية الخاصةSEAL6 تحت إمرته, وهو الفريق المكلف بمهمة قتل بن لادن بمدينة ابوت آباد في باكستان, ويرصد كيف تسللت تلك القوات إلي باكستان دون الحصول علي إذن من حكومتها في مهمة سرية, يمكن إنكارها إذا ما فشلت, ولأن القانون الأمريكي يمنع الجيش من القيام بهذا النوع من العمليات السرية, فقد أصبح الفريق العسكري يعمل وفق توجيهات مدير الاستخبارات, الذي أمره بالإضافة إلي عملية الاغتيال بجمع كل المعلومات الاستخباراتية في الموقع الذي قتل فيه بن لادن من وثائق ومستندات وملفات الكترونية. ويوضح المؤلف كيف تحولت السي اي ايه في عهد بانيتا, الي جهاز عدواني, بل متهور, قام ب216 هجوما مستخدما طائرات دون طيار, في باكستان وحدها, أسفرت عن مقتل1200 شخص تقريبا, معظمهم من المسلحين, ولكن أيضا كان فيهم الكثير من المدنيين, ويركز الكتاب بصفة خاصة هنا علي تلك الصفقة السرية التي عقدتها السي اي ايه مع الحكومة الباكستانية في عام2004, حيث سمحت باكستان للولايات المتحدة باستخدام طائرات طراز بريدارتور بدون طيار, للقضاء علي من يشتبه في كونهم تابعين لتنظيم القاعدة, مقابل أن يتم اغتيال نك محمد, وهو مقاتل من قبائل البشتون في مدينة وزيرستان الجنوبية, كان قد انضم لحركة طالبان وقاد تمردا قبليا ضد الجيش الباكستاني, ولم يكن أصلا هدفا للولايات المتحدة, وأيضا مقابل موافقة الولاياتالمتحدة علي عدم تنفيذ ضربات في مناطق باكستانية يتم فيها تدريب ميليشيات كشميرية لشن هجمات في الهند, وقد انتهت الصفقة عام2008 مع نهاية عهد بوش الابن, ولكنها استؤنفت مرة أخري من قبل إدارة اوباما, وعندما فضحت الصفقة في2010, أثارت غضب الشعب الباكستاني180 مليون نسمة وزادت كراهيتهم للولايات المتحدة, إضافة إلي أن ما حققته تلك الهجمات الجوية لم تؤد إلي اغتيال عدد كبير من أعضاء القاعدة كما كان متصورا, مما يؤكد عدم فاعلية استخدام هذا التكتيك, وعدم قدرته علي تحقيق أهداف إستراتيجية واضحة. وفي إطار ما يطلق عليه مازيتي خصخصة العمليات الاستخباراتية فجر المؤلف أكثر من مفاجأة من العيار الثقيل, منها الكشف عن الدور الذي قامت به مرشحة جمهورية سابقة للكونجرس, هي ميشيل بالارين, وهي سيدة شديدة الثراء من ابرز نجوم المجتمع الأمريكي, وفقا للمؤلف, فقد تم تجنيد بالارين من قبل السي اي ايه, لاختراق صفوف الشتات الصومالي في ولاية مينيسوتا الامريكية, للوصول إلي معلومات حول حركة الشباب في الصومال, ويصف المؤلف كيف أصبحت بالارين تسافر بكامل أبهتها إلي الصومال بشكل متكرر, مما جعل الصوماليين يطلقون عليها لقب الأميرة ومن هناك تمكنت من التفاوض مع القراصنة الصوماليين الذين استولوا علي سفينة تحمل شحنة سرية من الدبابات الروسية قيمتها عدة ملايين الدولارات, إضافة إلي تمكنها من اختراق جماعة الشباب الصومالية وتجنيد بعض أعضائها لحساب الوكالة, وان كان المؤلف لا يقدم تحديدا نتائج تلك العمليات. ويسرد مازيتي ايضا, قصة داون كلاريدج, عميل الاستخبارات الأمريكية الذي لعب دورا أسطوريا في كشف فضيحة إيران كونترا, والبالغ من العمر77 عاما, وكيف أن هذا العميل المتقاعد منذ زمن طويل, أدار بنفسه عام2009 عملية تجسس خاصة علي الرئيس الأفغاني حامد كرزاي, لإثبات إدمانه الهيروين, وذلك بان زرع عميلا له داخل قصر كرزاي مهمته جمع الشعيرات التي تسقط من لحيته لاجراء فحوصات الدي ان ايه عليها, وكيف انه في النهاية الغي العملية عندما أدرك أن إدارة اوباما ليس لديها نية لإبعاد كرزاي عن السلطة, ويوضح الكتاب كيف أن كلاريدج قد أسس شركة استخبارات خاصة به, كان من ضمن مهامها جمع معلومات عن الجماعات التابعة لطالبان مثل شبكة حقاني, وقد تعاقدت معه البنتاجون في هذه العملية ودفعت له ولفريقه22 مليون دولار, مقابل تقديم تلك المعلومات الاستخباراتية, الي أن تم إلغاء هذا التعاقد في.2010 ويتناول الكتاب أيضا الدور السري الذي لعبته شركة بلاك ووتر للخدمات الأمنية, تحت إمرة وكالة الاستخبارات الأمريكية في تصفية واغتيال قادة القاعدة والجماعات التابعة لها في كل من باكستان وأفغانستان واليمن والصومال, ويتناول بتوسع قصة ريموند ديفيس, أو من يطلق عليه المؤلف بعبع باكستان الذي تم التعتيم علي قصته,و بسبب تزامنها مع مقتل بن لادن في باكستان, وكان ديفيس عميلا يعمل لصالح الوكالة لكنه في الواقع يدير شركته الاستخباراتية والأمنية الخاصة, تم زرعه في باكستان كدبلوماسي يعمل في القنصلية الأمريكية هناك, كانت مهمته جمع معلومات عن جماعة عسكر طيبة وهي جماعة باكستانية مسلحة.