تجسد الفنون بكل أشكالها المعني الراقي لابداع الانسان..وتعكس تلك الفنون في بساطة قدرة عجيبة علي ترجمة المشاعر و الاحاسيس الانسانية في أشكال فنية تتعدد ما بين النحت والرسم والموسيقي و الشعر والغناء. وعلي مدي التاريخ تخرج الاصوات الرافضة للابداع و الفنون والآن تنادي بتحريم الفنون وهدم الآثار. بالرغم من أنه في عام2001 سافر إلي أفغانستان وفد ممثلا عن منظمة المؤتمر الإسلامي, يضم الدكتور نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية آنذاك, نيابة عن الأزهر الشريف باعتبار الأزهر يمثل الإسلام الوسطي والمعتدل في العالم, إلي جانب عدد كبير من العلماء, وكان سفرهم بناءا علي مبادرة من هيئة اليونسكو لإثناء جماعة طالبان عن هدم تماثيل بوذا التي كانت منحوتة في جانب جبل في باميان والتي يعود تاريخها إلي القرن السادس قبل الميلاد,... ولهذا فإننا نحتاج إلي كل صوت عاقل والي كل عالم حكيم.ولهذا كان هذا التحقيق. التعدي علي حرية الإبداع يقول الدكتور حمدي أبو المعاطي نقيب التشكيليين: تمثل الحالة الراهنة من التعدي علي موروثنا الفني والثقافي والاعتداء علي تاريخ ومقدرات مصر في ثرواتها الفنية من دواعي القلق الشديد نحو النيل من حرية الإبداع وحرية الفرد في المجتمع بشكل عام, فإن ثورة25 يناير قامت علي ثوابت اساسية هي عيش, حرية, عدالة إجتماعية, كرامة إنسانية... تلك المفاهيم إنما تعبر عن حرية الإنسان المصري ومدي أهمية دوره في جعل هذا الوطن أفضل في المستقبل, إلا أن النيل من حرية الإبداع ممثلا تارة في قطع رقبة تمثال طه حسين بالمنيا ووضع الحجاب علي رأس تمثال ام كلثوم بالمنصورة وكذلك الدعوة إلي هدم الأهرامات وأبو الهول فكل هذا من قبيل الخزعبلات والتي تعكس أراء متجمدة ومتخلفة ولا تمت إلي الدين بأي صلة وأكبر دليل علي ذلك أن فتح عمرو بن العاص لمصر يؤكد مدي وسطية الدين الإسلامي والذي لم يتعد في تلك الفترة علي أي مقدرات مصرية حضارية, وعلي مدار1400 عام حافظت مصر علي حضارتها وثقافتها في ظل الإسلام الوسطي الذي يمثله الأزهر الشريف, وعلي الرغم من كل هذه التداعيات والأحداث إلا أن الفن المصري سيبقي دائما لأن الثقافة والفن هما القوة الناعمة التي ترتقي بالشعوب, والعقل المبدع لا يرضخ لضغوط السياسة المناهضة لأرض الواقع. ويؤكدالدكتور أشرف رضا الأستاذ بكلية الفنون الجميلة أن المفترض أنه لا يوجد مخاوف حول إدعاءات حرمانية الرسم والتصوير والنحت فقد رد علينا الإمام محمد عبده منذ أكثر من قرن عندما أحل دراسة الفنون عند إنشاء مدرسة الفنون العليا في أوائل القرن العشرين وفتواه كانت واضحة فما الداعي الآن للتربص بالأعمال الفنية وتشويهها فهذه الأفعال محاولات لهدم الهوية المصرية والتوجه بها إلي اتجاه مغاير للحقيقة, وأدعو كل الفنانين في جميع التخصصات إلي العمل علي استمرارية الإنتاج الفني ونشر الوعي الثقافي لمواجهة هذه التيارات. الإمام محمد عبده ينفي تحريم الفن ويذكر أنه في عام1903 اصدر الإمام الشيخ محمد عبده أول من تولي دار الإفتاء المصرية فتوي تنفي شبهة التحريم عن الفن التشكيلي والتمثيل والموسيقي فكان يقول إن الرسم ضرب من الشعر الذي يري, أما إذا نظرت إلي الرسم وهو ذلك الشعر الساكت, فإنك تجد الحقيقة بارزة لك, تمتع بها نفسك كما يتلذذ بالنظر فيها حسك, إذا دعتك نفسك إلي تحقيق الاستعارة المصرحة...فانظر إلي أبي الهول بجانب الهرم الكبير تجد الأسد رجلا أو الرجل أسدا. فحفظ هذه الآثار حفظ للعلم في الحقيقة, وشكرا لصاحب الصنعة علي الإبداع فيها.,كما أثني الإمام محمد عبده علي موهبة الموسيقار داود حسني الغنائية بالرغم من أنه كان مصري يهودي. يشير الدكتور نصر فريد واصل المفتي الأسبق إلي أن الفن بجميع أشكاله من رسم ونحت وغناء وموسيقي مباح مادام لا يمثل خدشا للحياء أو إثارة للغرائز, فعلي سبيل المثال التماثيل التي تنحت كشكل جمالي بغرض الزينة مباحة وكذلك كل ما فيه مصلحة للإنسان مثل عمل المجسمات الدراسية كما في دراسة الطب او عمل مجسمات لعب الأطفال مثل العرائس وأشكال الحيوانات كلها جائزة ولكن ينهي عن التماثيل التي تعمل بغرض العبادة, ويضيف الدكتور نصر بعد فتح مصر ودخول الصحابة إليها لم يذكر التاريخ أن أيا منهم أمر بهدم الآثار المصرية مثل الأهرامات وأبو الهول والتماثيل والمعابد الأثرية بل إن التاريخ ذكر أن سيدنا سليمان كان يأمر الجن ببناء التماثيل. إذا حصل الخلاف وجدت السعة ويقول الدكتور علي جمعة مفتي جمهورية مصر العربية السابق: رسم البشر والحيوانات جائز عند جماعة من العلماء, وهو مذهب المالكية وبعض السلف, ووافقهم الإمام ابن حمدان من الحنابلة, وذلك بناء علي أن التحريم مقصور علي التماثيل التي لها طول وعرض وعمق, وروي ابن أبي شيبة في المصنف هذا القول عن التابعي الجليل القاسم بن محمد رحمه الله تعالي وكان من أفضل أهل زمانه, وذلك بسند صحيح كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري, ولفظه عن ابن عون قال: دخلت علي القاسم وهو بأعلي مكة في بيته, فرأيت في بيته حجلة فيها تصاوير القندس والعنقاء. وقال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم(82/14, ط. دار إحياء التراث العربي):, وقال بعض السلف: إنما ينهي عما كان له ظل, ولا بأس بالصور التي ليس لها ظل, وهذا مذهب باطل], قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري(388/10, ط. دار المعرفة):, وفي إطلاق كونه مذهبا باطلا نظر] اه. وبناء علي ذلك: فهذه المسألة من المسائل الخلافية التي لا حرج علي المسلم في الأخذ بأحدها; لأنه إذا حصل الخلاف وجدت السعة, فلا مانع من الاشتغال برسم البشر والحيوانات الأليفة وغير ذلك, سواء أكان ذلك من المخيلة أو من الطبيعة أو من الصور الفوتوغرافية. ولكن لا يجوز رسم ذات النبي الكريم عليه الصلاة والسلام وكذلك صور للصحابة الكرام رضي الله عنهم. ويعتقد الدكتور سعد الدين مسعد أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر: الوارد في السنة الصحيحة النهي عن التصوير وعن بيع الأصنام, وذلك من قول الرسول صلي الله عليه وسلم أول ما تسعر بهم النار أولئك المصورون وما ثبت عن نهيه بيع الخمر والخنزير والأصنام, وقد أختلف الفقهاء في دلالة هذين الحديثين علي عدة أقوال ما بين الأخذ بالظاهر بالتحريم أو الأخذ بالمقاصد بعدم التحريم, وبين هذا وذاك جاء اتجاه الجمهور, إذا كان التصوير فوتوغرافيا لا حرج فيه وإذا كان التصوير يدويا فيرجع إلي النية فإذا كان بقصد التعظيم يكون حراما وكذلك بالنسبة للنحت إذا كان بقصد التأريخ أو التوضيح أو التعليم فلا بأس به, فقد كانت السيدة عائشة تصنع العرائس للأطفال, فإذا كان أعمال التجسيم محرما لما فعلته رضي الله عنها, أما إذا كان النحت بقصد العبادة فهو محرم قطعا. ويشير الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء الي أن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف أصدر فتوي عدم حرمة صناعة التماثيل بشرط ألأ يكون التمثال في صورة عارية أو موحية لمعني جنسي أو عقدي يخالف الشريعة الإسلامية ومن الثابت في نصوص القرآن الكريم أن التماثيل كانت تصنع لسيدنا سليمان وهذا ثابت في قوله تعالي يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات ومن الثابت تاريخيا أن التماثيل الأثرية في مختلف أنحاء مصر كانت موجودة وقت الفتح الإسلامي ولا شك في أن الخليفة عمر بن الخطاب وكذلك عمرو بن العاص قد علما بوجودها ومع ذلك لم يصدر أمر من أي منهما بهدم التماثيل.