لقد وصي الإسلام باليتيم, وجعل قدوة اليتامي رسول الله صلي الله عليه وسلم حيث توفي أبوه وهو حمل في بطن أمه, ثم توفيت أمه آمنة بنت وهب وله من العمر ست سنوات ثم كان في كفالة جده عبدالمطلب إلي أن توفي وله من العمر ثماني سنين فكفله عمه أبوطالب. وقال له ربه: ألم يجدك يتيما فآوي, سورة الضحي(6)] ثم أمره ربه وهو أمر لكل الناس: فأما اليتيم فلا تقهر, سورة الضحي(9)] أي لا تذله وتنهره ولا تهنه ولكن أحسن إليه وتلطف به, قال قتادة: كن لليتيم كالأب الرحيم ووصف الله تعالي الذي يكذب بالدين وهو المعاد والجزاء والثواب بأنه الذي يقهر اليتيم ويظلمه حقه ولا يطعمه ولا يحسن إليه فقال الله تعالي أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم, سورة الماعون,1 و2] أي الذي يقهر اليتيم ويظلمه ويحقره. واليتيم: هو الصغير الذي مات أبوه, فهو في حاجة إلي كفالة المجتمع وإعانته, وقد رفع الإسلام مكانة كافل اليتيم في الجنة, حيث يكون مع رسول الله صلي الله عليه وسلم :( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطي وفرج بينهما) رواه البخاري وكافل اليتيم: هو الذي يقوم بأموره وبما يحتاج إليه. قال ابن بطال: حق علي من سمع هذا الحديث أن يعمل به فيكون رفيق النبي صلي الله عليه وسلم في الجنة ولا منزلة في الآخر أفضل من ذلك. وفي رواية: إذا اتقي أي إذا اتقي الله فيما يتعلق بحق اليتيم, ويحتمل أن يكون المراد قرب المنزلة حال دخول الجنة, لما أخرجه أبويعلي من حديث أبي هريرة رفعه:( أنا أول من يفتح باب الجنة, فإذا امرأة تبادرني فأقول, من أنت؟ وتقول: أنا امرأة قائمة علي أيتام لي ومعني تبادرني: تدخل معي أو في أثري. وزكي الإسلام الأسرة التي ترعي اليتامي فقال صلي الله عليه وسلم:( خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه) رواه مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة. وجعل الإسلام علاج قسوة القلب في مسح رأس اليتيم, عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا شكا إلي النبي صلي الله عليه وسلم, قسوة قلبه فقال( امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين) رواه أحمد وفي رواية: أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ارحم اليتيم وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك رواه الطبراني. وأمر الإسلام الأوصياء علي اليتامي أن يحافظوا علي أموالهم, عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: اتجروا في أموال اليتامي فإنها لا تأكلها الصدقة. رواه الطبراني في الأوسط. وأمر ا لله تعالي بدفع أموال اليتامي إليهم إذا بلغوا الحلم كاملة ونهي عن أكلها وضمها إلي أموال الأوصياء, قال الله تعالي: وآتوا اليتامي أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلي أموالكم إنه كان حوبا كبيرا, سورة النساء(2)]. وأمر الله باختبار اليتامي حتي إذا بلغوا الرشد, أعطوهم أموالهم فقال سبحانه: وابتلوا اليتامي حتي إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفي بالله حسيبا,سورة النساء,6]. ومن نصيحة الرسول صلي الله عليه وسلم, لأبي ذر رضي الله عنه, أنه قال:, يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي, لا تأمرن علي اثنين, ولا تلين مال يتيم] رواه مسلم. وأوضح الإسلام أن أكل مال اليتيم من السبع الموبقات, عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:, اجتنبوا السبع الموبقات, قيل: يا رسول الله وماهن؟ قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق, وأكل الربا, وأكل مال اليتيم, والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات] رواه البخاري ومسلم. وجاء الوعيد الشديد في القرآن للذين يأكلون أموال اليتامي ظلما, حيث قال الله تعالي: إن الذين يأكلون أموال اليتامي ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا, سورة النساء10] وهنا نوصي الجمعيات الخيرية, وأصحاب الأعمال الإنسانية كما نوصي جميع المسئولين في الدولة علي كل الأصعدة أن يرعوا حق اليتامي الذين فقدوا عائلهم ووالدهم ليتبوؤا كل كافل اليتيم مكانة عليه بمرافقة خير البرية صلي الله عليه وسلم. كما نوصي مؤسسات الدولة وجميع المسئولين وجميع القادرين برعاية الأطفال المشردين والذين لا مأوي لهم. ونوصي الآباء والأمهات أن يراقبوا ربهم في تربية أبنائهم وألا يكون انشغالهم بأمور الحياة شاغلا لهم عن رعاية الأبناء حتي لا يكون الأبناء كالأيتام وأكثر مع وجود الآباء, كما قال الشاعر: ليس اليتيم من انتهي أبواه من... هم الحياة وخلفاه ذليلا إن اليتيم هو الذي تلقي له... أما تخلت أو أبا مشغولا