جريمة إحراق المجمع العلمي المصري يوم السبت الماضي أو يوم السبت الأسود ليست سوي مؤامرة أخري علي ثورة25 يناير من أعداء مصر الذين يعبثون فسادا في أرضنا منذ قيام الثورة, دون خوف من رادع أو حساب علي جرائم الخيانة المتكررة. لكن جريمة إحراق المجمع العلمي الأثر الاسلامي الذي أصدر نابليون مرسوما بانشائه بعد دخوله القاهرة, وتدمير مكتبته التي تضم كنوزا من تراث وتاريخ وحضارة مصر, من بينها كتاب وصف مصر الذي يعد في حد ذاته ثروة قومية لا تقدر بثمن شارك في كتابته وإعداد رسومه160 عالما ومؤرخا وفنانا فرنسيا, هي بكل المقاييس أم جرائم الخيانة والعمالة لأحط نظام حكم مصر في العصر الحديث. هم فلول مبارك وأبناؤه العاطلون والمسجلون والبلطجية وأطفال الشوارع الذين نساهم المخلوع ثلاثة عقود, ولم يجدوا من السيدة الأولي ومجلسها الخاص بالأمومة والطفولة أدني اهتمام, فتحولوا أدوات في أيدي أصدقاء مبارك الذين هم أعداء مصر يسرقون وينهبون ويحرقون وطنهم. جريمة إحراق المجمع العلمي المصري يوم السبت الماضي بأيد مصرية ستظل نقطة سوداء طبعت في عقل وضمير كل مصري, وعارا سوف يلاحقنا أمام أنفسنا وأمام العالم مدي الحياة, فكيف يمكن أن يبني الفرنسيون معهدا علميا مهما كانت أهداف الغزاة ونواياهم منذ مائتي عام, وضع فيه أجدادنا وآباؤنا أهم ثرواتنا الثقافية من مراجع علمية وخرائط وكتب لشهود العصر من أثريين ومستشرقين أحبوا أرض مصر التي كانت طيبة فكتبوا عن الواقع المصري في تلك الفترة من تاريخنا وعن طموحات المصريين ومقاومتهم ونضالهم ضد المستعمر وعن الحضارة المصرية علي مر العصور, ثم يأتي مصريون في عام2011 بعد مائتي عام فيحرقون أدوات النهضة والنور لتتحول حياتنا ظلاما..؟! أتصور نابليون الجنرال الفرنسي وقد استيقظ فجأة من قبره بعد أن شاهد السنة الحريق وشعر بلهيبها يلسع عقله, يسأل المصريين الذين استقبلوه, لكنه رفض أن يمد يده بالسلام عليهم ويقول لهم: ماذا حدث؟ كيف تستبيحون ثروتكم القومية وتحرقون كنوزكم الثقافية والانسانية؟!. ماذا نقول للأجيال القادمة بعد أن دمرنا جزءا مهما من التراث المصري كان من حقهم أن يتعرفوا عليه؟ كيف نقف أمام محكمة الضمير الانساني وماذا سيكون دفاعنا عن الجريمة؟ نحن جميعا متهمون, ومدانون ويجب أن نوضع في القفص الحديدي, فجميع المبررات والدفوع لا يقبلها أي قضاء عادل. وصف مصر مع أهميته العلمية والتاريخية ربما يكون الأكثر شيوعا في أوساط المثقفين بسبب الظروف التي أحاطت بصدوره, وبسبب ندرة النسخ المتبقية منه حول العالم. فالكتاب لم يطبع منه منذ صدوره سوي ألف نسخة, كان لدينا في مكتبات مصر الوطنية أربع نسخ فقط, نقص عددها الي ثلاث بعد حريق المجمع العلمي في الأسبوع الماضي. وصف النكسة الثقافية هو في اعتقادي أدق الأوصاف علي الحريق الذي ارتكبه مئات من الصبية والشباب المصري الذين اعترف بعضهم بتقاضي أموالا من أحد شياطين الفلول ليحرقوا ويسرقوا ويهدموا آثار وقصور وثروات مصر الثقافية. شباب الثورة الطاهر الذي قتل منه ألفا شهيد والذي واجه طغيان مبارك ومذابح العادلي ووقف لعدة أيام في صقيع يناير بميدان التحرير متحديا الرصاص وقنابل الغازات وعصابات الحزب الوطني, هم مصريون وليسوا خونة ومرتكبي الحريق هم مجرد أدوات لخطة جهنمية شريرة اعتادت عناصر وهمية ارتكاب أمثالها لاحداث الوقيعة بين الثوار والشعب, وأعتاد الشعب المصري ألا يكشف المسئولون له حقيقة هؤلاء الخونة! وصف مصرDescriptionDeL.Egypte هو جهد دءوب لمائة وستين عالما ومؤرخا وأثريا وفنانا فرنسيا, وقد اصطحبهم نابليون مع أدواتهم في سفينته مع العسكر والمدافع وأسلحة الدمار والقتل التي استخدمها جنوده في غزو مصر وفي مواجهة المقاومة الباسلة للمصريين. رافق العلماء أيضا أول مطبعة دخلت مصر, وكانت واحدة من أهم وسائل نشر الكتب والمعارف. البعثة الفرنسية التي رافقت نابليون في غزوته والتي كان لها فضل كتابة وصف مصر الذي هو عمل جماعي لكل العلماء والفنانين الفرنسيين أعضاء البعثة, أغلبهم أعضاء في المعهد العلمي الفرنسي, وقد شكلوا فيما بعد اللجنة المصرية للعلوم والفنون. وكان نابليون قد أصدر بعد أيام من اقتحام أسوار القاهرة مرسوما بإنشاء المعهد الفرنسي في باريس, وعين جاسبار مونج رئيسا له. وقد كان بناء المعهد المصري صورة من المعهد الفرنسي في باريس, وضم مكتبة ومعامل وورش عمل, وساهم أعضاء المعهد في تصنيع معدات المحاربين المدنيين بالبعثة الفرنسية كان منها أهداف المعهد المصري نشر المعلومات حول مصر وحضارتها الفرعونية, وقد أصدر الفرنسيون في البداية دوريتهم التي أطلقوا عليها العقد المصريLaDecadeEgyptienne وجريدتهم لو كورييه دي ليجيبت وكانت تنشر معلومات حول البعثة الفرنسية ونشاطاتها. وعندما تم جلاء القوات الفرنسية في عام1801 اصطحب العلماء معهم كميات هائلة من الأوراق والخرائط ومجموعات من الرسوم التي أعدوها خلال إقامتهم في مصر. في شهر فبراير1802 بعد عام من جلاء الفرنسيين أصدر وزير الداخلية الفرنسي جان أنطوان شابتال وبناء علي مرسوم من نابليون قرارا بتشكيل لجنة لجمع الوثائق والمعلومات لطبع كتاب ضخم عن مصر يتضمن كتابات هؤلاء العلماء. وقد اعتمد علي بعض مانشر في الصحيفتين الفرنسيتين من أخبار ومعلومات عن مصر. وكانت المجلدات الأربعة الأولي بعنوان ذكريات عن مصر وشملت رسوما وبيانات لعدد من العلماء والخبراء الفرنسيين. استغرق إعداد وصف مصر للنشر عشرين عاما, وقدمت بروفة المجلدات الأولي لنابليون عام1808, وقد صدرت في البداية بناء علي أمر من الامبراطور نابليون العظيم أما المجلدات التي نشرت بعد ذلك فكانت بناء علي مرسوم من الملك, وصدرت الأعداد الأخيرة بمرسوم من حكومة فرنسا. وتضمنت الطبعة الأولي من وصف مصر تسعة مجلدات من النصوص التي كتبها علماء الحملة الفرنسية عن مصر و11 مجلدا رسوما وخرائط وبيانات تعكس مشاهدات العلماء والفنانين. أما الطبعة الثانية من الكتاب فشملت37 مجلدا, وجري تجميع24 مجلدا في26 كتابا, وانقسم المجلد الثامن عشر الي ثلاثة كتب, وخصص مجلد كامل لنشر خرائط عن مصر, أما المجلد العاشر فتضمن شرحا للرسوم والخرائط المنشورة, وعشرة مجلدات بعد ذلك للصور والرسوم. وتحت عنوان التاريخ الطبيعي لمصر في المجلدين الأول والثاني نشرت894 لوحة فنية. استقبل الكتاب بتقدير كبير من الدول التي تلقت نسخة منه والمهتمة بعلم المصريات, ونشرت عدة دراسات حول الكتاب في هذه الدول. كتب سبقت وصف مصر التصور العام وما يتردد باستمرار أن وصف مصر هو المؤلف العلمي الوحيد في عصره ولم يسبقه أي دراسات حول مصر, هي فكرة خاطئة تماما, لقد شهد القرنان السابع عشر والثامن عشر صدور عدة مؤلفات تصف الحياة في مصر والحضارة الفرعونية وبعضها تحت نفس العنوان وصف مصر ولكن في حجم أقل, ومن أهم الكتب التي سبقت صدور وصف مصر: كتاب جغرافية الأهرامات للمؤرخ جون جريفز وصدر عام1646 وكتاب برنار دي مونتفوسون وصدر بين أعوام1719 1724 في عشرة مجلدات تعرض وتشرح الآثار المصرية بالأرقام, وقد أعيد طبعه عدة مرات, وكتاب وصف مصر لعالم المصريات بنوا ماليتو صدر عام1735, وكتاب ريشارد بوكوك وصف الشرق وبلاد أخري وصدر عام1743 وكتاب العالم الفرنسي فريدريك لوي نوردن رحلة الي مصر والنوبة وصدر عام.1755 ويعد من أهم الكتب التي صدرت في القرن الثامن عشر وكان لها تأثير كبير في أوساط الباحثين والأكاديميين وكتاب المستشرق الألماني كارستين نيبور في مجلدين بين أعوام1774 و1778 ويصفة العلماء بأنه وصف مصر الصغير أو ميني وصف مصر ويعد أكثر دقة وتأثيرا من وصف مصر. أما النقد الذي يوجه لكتاب علماء الحملة الفرنسية الأصلي وصف مصر فيمكن تلخيصه في النقاط الآتية: الفترة الطويلة التي استغرقها نشر الكتاب الذي يعد في حقيقته أشبه بالموسوعة, جعلت جانبا كبيرا من مادته المكتوبة متأخرة كثيرا عن الأحداث عندما وصل الي القراء المهتمين بالمصريات. ففي العشرين عاما التي استغرقها الاعداد لطبع الكتاب وقعت أحداث كثيرة لم يشر اليها. فيما يتعلق بحضارة مصر الفرعونية القديمة, قدمت المادة دون أن يكون أصحابها قد تعرفوا علي اللغة الهيروغليفية, فقد نشرت الفصول الأخيرة من الكتاب قبل نشر أبجدية اللغة الهيروغليفية وشرح معانيها, والتي أصبحت متاحة للباحثين في نفس وقت صدور المجلدات الأولي للطبعة الثانية. لكن بعد فترة قليلة من الصدور استطاع جان فرانسوا شامبوليون التعرف علي اللغة الفرعونية, وفي كتابه قواعد اللغة المصرية الذي صدر عام1836 ولم يلق ترحيبا في البداية من العلماء, شرح العالم الفرنسي بالتفصيل معاني الحروف والرسوم الموضحة علي المقابر والحفريات والمعابد الفرعونية. الكتاب لم يطبع منه سوي ألف نسخة فقط, وكان سعره مرتفعا جدا, ولذلك لم يحصل عليه سوي الباحثون والمثقفون الأثرياء, ولم يكن متاحا لابناء الطبقة المتوسطة من المهتمين بمصر وعلوم الشرق بصفة عامة. الأهمية العلمية والتاريخية لكتاب وصف مصر هي لا تزال محل جدل كبير بين علماء المصريات وعدد من المستشرقين حتي بعد صدوره بأكثر من مائتي عام, لكن الكارثة التي حلت بدمار المجمع العلمي المصري والتي أسفرت عن احتراق وصف مصر ومعه آلاف الكتب والوثائق والخرائط التي لا تقدر بثمن ولا يمكن تعويضها, تعكس الواقع الاليم لقطاع كبير من شباب مصر الذين فقدوا القدرة علي تقييم واحترام تراثهم الثقافي بعد أن فقدوا الانتماء لهذا الوطن. هم مجرمون وضحايا ثلاثين عاما من الضياع والفساد والجهل.