للمرة الثانية أكتب عن موضوع خطورة التفكير في تسليم السيد أحمد قذاف الدم منسق العلاقات المصرية/ الليبية( زمن العقيد القذافي) إلي ليبيا, ودافعي هو الحفاظ علي مصر وصون سمعة مصر كبلد قانوني متحضر يجير من استجار به, ولا يسلمه إلا بناء علي مسوغات قانونية وافية واتفاقات مشتركة وحين يضمن محاكمته علي نحو عادل. وكنت سقت هنا أمثلة من حواراتي مع بعض كبار المسئولين البريطانيين حول تسليم بعض الذين أدانتهم المحاكم المصرية في محاولات اغتيال عاطف صدقي وصفوت الشريف وغيرهما, ورفض لندن لمنطق تسليم أولئك المتهمين, علي الرغم من أن النظام القانوني المصري كان بالقطع شيئا مؤسسيا ومرجعياته واضحة وأحكامه محترمة, ويختلف كلية عن مشهد اغتيال القذافي البربري أو محاكمات الشوارع في ليبيا التي تحفل المواقع الاليكترونية بها, ولكنني أردت بسرد ذلك المثل البريطاني التشديد علي أن مدي الثقة في المحاكمة العادلة من عدمها هو الذي تلتجيء إليه الديمقراطيات الكبري حين تقرر مبدأ التسليم. اليوم نحن بصدد حكم مهم لمحكمة القضاء الإداري( الأربعاء الفائت) في القاهرة, قضي بعدم تسليم أحمد قذاف الدم إلي ليبيا, وفي نفس اليوم تصريحات لوزير الخارجية الليبي( في جريدة الشرق الأوسط الدولية) يؤكد فيها أن مصر ستسلم الرجل إلي بلاده.. ولن أدخل في ملابسات وحيثيات الحكم القضائي فيكفيني اللحظة الراهنة أنه صدر, ولكن ما يشغلني هو ملابسات وحيثيات تصريحات الوزير الليبي, إذ من غير المتصور أنه تفوه بكلماته من دون اتفاق مسبق مع السلطات المصرية أو إحداها, أو بناء حتي علي وعد من هذا الطرف أو ذلك في القاهرة.. وهنا تكمن الخطورة إذ سنجد أنفسنا مرة أخري أمام اشكالية تلك المفاضلة غير المطلوبة أو المقبولة بين إرادة السلطة السياسية وقواعد النظام القانوني الرشيد.. وبيقين ينبغي أن يكون انحيازنا في هذا الموضوع هو لحكم القانون أي لما قرره القضاء الإداري الموقر بعدم تسليم قذاف الدم. أقول هذا وأنا من أكثر الناس وعيا بالأهمية الخاصة للعلاقات المصرية/ الليبية, وبمصالح بلدنا الكبيرة هناك, ولكن المباديء الإنسانية, وسمعة البلد وصورته ليست مجالا لمفاوضة أو مواءمة أو تجزيء أو حلول نصف نصف. مجرد التفكير في التسليم كان من البداية خطأ, أما التفكير في التسليم بعد حكم المحكمة فهو خطيئة نربأ بأنفسنا وببلدنا عن اقترافها.. ومرة أخري أحتاج لتأكيد أخير في هذا السياق انني لم أكن يوما معجبا بالعقيد القذافي أو أفكاره وسلوكياته, ولم أر أحمد قذاف الدم أو أعرفه شخصيا طيلة حياتي, ولكن حديثي في الموضوع يجيء فقط علي أرضية إيماني الجارف بمصر كبلد عصري متحضر لا يليق أن يراه العالم في غير صورته. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع