شعرت بانزعاج كبير للأنباء التي تواترت عن إلقاء القبض علي السيد أحمد قذاف الدم في منزله بالزمالك, ثم للأخبار التي ترددت عن تسليمه الي ليبيا.. ومبعث انزعاجي في الحقيقة ليس إلا حرصي علي وطني ومبدئية مواقفه وصورته الرمزية والمعنوية في ضمائر أبنائه.. فالعبارة بتبسيط كبير هي أن ذلك الرجل استجار بنا فأجرناه, ثم بغتة قررنا تسليمه لمن لا نضمن تعاملهم معه وفق الأصول القانونية المرعية وكأننا نسلمه الي جلاديه.. وقد ضاعف من قلقي إزاء ذلك الإجراء استرجاعي المشهد البربري, الذي تم فيه اغتيال العقيد معمر القذافي عند إلقاء القبض عليه, وبرغم أنني لم أك يوما معجبا بالعقيد القذافي أو قابلا لشكل نظامه أو بعض سلوكياته, إلا أن أي إنسان يظل محتلا بفزع وامتعاض كبيرين كلما تذكر المشهد المؤلم والمقرف لتعذيب الرجل حتي الموت.. وأذكر أثناء عملي مديرا لمكتب الأهرام في لندن أن بدأت حواراتي في العاصمة البريطانية مع مالكوم ريفكيند وزير الخارجية في حكومة جون ميجور المحافظة, ثم جيرمي هنلي وزير الدولة لشئون الشرق الأوسط, ثم حين جاءت حكومة توني بلير العمالية الي الحكم عام7991 حاورت المرحوم روبين كوك وزير الخارجية, والمرحوم ديريك فاتشيت وزير الدولة لشئون الشرق الأوسط, وكان سؤالي المتكرر لهم جميعا:( هل تقوم بريطانيا بتسليم بعض المصريين المتهمين في قضايا محاولات اغتيال عاطف صدقي وصفوت الشريف وغيرهما؟),.. وكانت الإجابة المتكررة التي تحصلتها من أولئك المسئولين البريطانيين هي:( لا نستطيع تسليمهم أبدا لان اصول الضيافة البريطانية وتقاليد ديمقراطيتنا العريقة تمنع ذلك, كما أننا لا نضمن أن يحاكموا محاكمة عادلة).. وبيقين فإنني نظرت الي قضية أحمد قذاف الدم في هذا الإطار, إذ دوما أعتبر الحالة البريطانية هي المثال الذي أقيس عليه في كل ما يتعلق بالديمقراطية.. وأضيف هنا عاملين زادا من انزعاجي إزاء مسألة تسليم الرجل, أولهما هو اقتران عملية إلقاء القبض أو التسليم بقيام الحكومة الليبية بوضع ملياري دولار كوديعة في البنك المركزي المصري, وبما بدا وكأنه ثمن عملية التسليم, مهما كانت حرارة الإنكار,.. أما العامل الثاني الذي ضاعف انزعاجي فهو دور قذاف الدم, الذي أشارت بعض الجهات المسئولة إليه في حرب أكتوبر واستحق عنه حصوله علي وسام نجمة سيناء أعلي وسام عسكري مصري لا يحصل عليه سوي الأبطال, الذين أتوا أعمالا استثنائية في ميادين القتال, إذ يفرض مثل ذلك الدور علي بلدنا مسئولية خاصة تجاه هذا الرجل الذي التجأ إلينا, فإما أن نتشفع له وإما نساعد في تسوية وضعه, أما القبض عليه وتسليمه فهما عملية مؤرقة ولا تبعث علي الارتياح. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع