عندما قلت أمس إن القراءة الصحيحة لمقولة السياسة هي فن الممكن تعني بوضوح أن السياسة هي فن المرونة خصوصا مرونة التفكير فإنني لم أكن مبالغا لأن معني مرونة التفكير أن المرء ينبغي أن يملك القدرة الدائمة علي مراجعة كل شيء وتصحيح أي شيء يري بعين بصيرته وبرصيد خبرته أنه يحتاج إلي المراجعة. والحقيقة أن مرونة التفكير عند الإنسان هي التي تساعد علي استمرار فتح أبواب الأمل أمام أحلام التغيير نحو الأفضل ومواصلة السعي لبلوغ الأهداف بعد التغلب علي جميع العقبات. ولاشك في أن هذه المرونة الفكرية لا تكتسب بالوراثة وإنما تجيء بالتجربة والممارسة فكلنا نولد بعقولنا وبداخلها قدر لا بأس به من الذكاء ولكن الفرق بين إنسان وآخر أن هناك من يتصور أنه يستطيع أن يعيش إلي الأبد بفكره وحده بينما أصحاب المرونة الفكرية هم الذين يستفيدون من أفكار الآخرين. بوضوح شديد أقول: إن المرونة الفكرية مرادف طبيعي للديمقراطية وأن الجمود الفكري علامة مميزة للمجتمعات التي تحكمها أنظمة ديكتاتورية.. والسبب في ذلك أن الديمقراطية تحترم ذكاء الفرد وتمنح له أوسع مساحة للعمل دون قيود إلا ما يضر الصالح العام حتي لا يكون هذا الذكاء مدخلا لتدمير المجتمع أو إلحاق الضرر به. وكل الأنظمة الديمقراطية تتباهي بمدي ما تمنحه من مساحة لتنمية قدرة الأفراد علي التفكير السليم وتهيئة الأجواء الملائمة للابتكار والإبداع وكشف الأسرار وإنجاز الاختراعات. ومن أسف أن البعض في مجتمعاتنا العربية لا يري في الديمقراطية إلا حرية الصراخ والعراك وتبادل الشتائم والاتهامات وأغلب هؤلاء من الذين يصرون علي العيش في أجواء الجمود الفكري ويخاصمون الميزة النسبية التي منحها الله للإنسان عن طريق مرونة التفكير.. وهؤلاء- في اعتقادي- هم أخطر أعداء الديمقراطية رغم أنهم يرتدون ثيابها وينطقون مفرداتها لأن الديمقراطية في البداية والنهاية نوع من أمانة المسئولية, وإذا لم يعرف الفرد كيف يصون الأمانة ويحسن التصرف فإن الديمقراطية قد تتحول تدريجيا إلي ديكتاتورية مقنعة أو سافرة. وفي إعتقادي أننا في مصر لسنا بحاجة إلي شيء الآن قدر احتياجنا إلي تعلم واستيعاب أساليب التفكير الصحيح. ثم لعلي أضيف قائلا: إن معظم همومنا- السابقة والراهنة- سببها غياب التفكير السليم وانعدام المرونة الفكرية! خير الكلام: إذا تسامحت مع من أساء إليك... هزمت ما تبقي من شر في نفسه تجاهك! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله